[الحالات التي يجوز فيها قتل المسلم]
قد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحق، فقد روى البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة).
هذه هي الحالات الثلاث التي يجوز أن تسفك فيها الدماء على يد ولي الأمر المسلم أو من ينوب عنه، فالأمر ليس فوضى لكل أحد؛ حتى لا يتحول المجتمع إلى غابة يقتل فيه القوي الضعيف، كلا! الحالة الأولى هي: حالة القتل، قال الله تعالى فيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:١٧٨ - ١٧٩] إي وربي! إن لكم في القصاص حياة: حياة بحفظ حياة أفراد المجتمع، وحياة بردع كل من سولت له نفسه أن يتعدى على الدماء المسلمة البريئة، ولذا قال سبحانه: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:١٧٩].
الحالة الثانية: من زنا بعد إحصان، لقوله: (الثيب الزاني).
الحالة الثالثة: المرتد، لقوله: (والتارك لدينه المفارق للجماعة)، هذه هي الحالات التي يجوز لولي الأمر المسلم أن يقتل فيها فقط.
وأما ما عدا ذلك فإن سفك الدماء وقتل النفس المسلمة أو المؤمنة البريئة جريمة تأتي مباشرة بعد جريمة الشرك بالله، قال تعالى في صفات عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:٦٨ - ٧٠].
أيها الأحبة الكرام! إن قتل النفس المسلمة المؤمنة البريئة جريمة من أخطر وأكبر الجرائم والكبائر، وأسألك بالله -أخي الكريم- أن تتدبر معي هذه الآية التي في سورة النساء، وهي قول الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:٩٣]، فتدبر فيها لتقف على حرمة الدماء! وفي صحيح البخاري من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)، وأنا ما خرجت عن موضوع الجزائر، ولكن لابد من هذه المقدمة لأصل إلى الحكم الذي أريد أن أصل إليه في هذه الأحداث المفجعة المؤلمة، فتدبر قول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)! وقال عبد الله بن عمر: (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها: سفك الدم الحرام بغير حله!).
وفي الحديث الذي رواه أحمد والنسائي، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع من حديث معاوية ومن حديث أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركاً، أو قتل مؤمناً متعمداً).
واسمع هذا الحديث الذي يخلع القلب! هذا الحديث رواه النسائي وصححه الشيخ الألباني من حديث عمرو بن الحمق الخزاعي أن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أمَّن رجلاً على دمه فقتله فأنا بريء من القاتل، وإن كان المقتول كافراً)، أتمنى لو أسمع هذا الحديث العالم كله الذي يتهم الإسلام بالتطرف والإرهاب وسفك والدماء! هذا هو دين محمد بن عبد الله، وهذه هي حرمة الدماء في دين المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث الذي رواه أحمد والنسائي وصححه الشيخ الألباني من حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا)؛ ولذلك فإن أول شيء يقضي الله فيه يوم القيامة الدماء.
ولا تعارض بين حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة)، وبين قوله: (إن أول ما يقضي الله فيه يوم القيامة الدماء)، لأن الدماء هي حق العباد، والصلاة هي حق خالق العباد، فلا تعارض بين الحديثين؛ ولذلك يقول علي بن أبي طالب كما في الصحيحين: (أنا أول من يجلس بين يدي ربي للخصومة) يقصد المبارزة التي كانت بينه وبين خصمه في غزوة بدر، ففي علي وفي خصمه نزل قول الله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج:١٩]، فأول شيء يقضي الله فيه يوم القيامة في الدماء، ولذلك ورد في الحديث الصحيح الذي رواه النسائي وصححه الشيخ الألباني أنه صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى بالقتيل يوم القيامة وأوداجه -أي: عروق أعناقه- تشخب دماً! وهو يمسك بالقاتل ويقول: أي ربِّ! سل هذا فيم قتلني؟!) فيأتي المقتول ويأتي القاتل الذي قتل نفساً، ويأتي القاتل المجرم الذي قتل قرية، والذي قتل مدينة، والذي قتل شعباً، والذي قتل أمة، يأتي يوم القيامة وحوله كل من قتلهم جوعاً، أو عرياً، أو رمياً، أو قتلهم بغير ذلك، يأتي هؤلاء يتعلقون بالقاتل يوم القيامة وهم يقولون للرب جل جلاله: يا رب! سل هذا فيم قتلنا؟! فيا أيها المسلم، اعلم حرمة الدماء.