للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبيل النجاة من الأمراض والانحرافات]

أيها الأحبة! رأينا هذه الحضارة التي أمدت الطين بكل ما يشتهيه وتركت الروح الآن تصرخ، وإن شئت أن تتعرف على ذلك فراجع إحصائيات الجريمة في مثل هذا البلد، لتتعرف على أن الإنسان لا يريد فقط ما يشتهيه البدن، وإنما لابد أن نمد الروح هي الأخرى بغذائها.

ولابد أن تعلم هذه المجتمعات الكافرة أن غذاء هذه الروح بالعودة وبالإذعان إلى منهج الله جل وعلا، ورحم الله صاحب الظلال إذ يقول: (إن هذه الحياة البشرية من خلق الله، ولن تفتح مغاليق فطرتها إلا بمفاتيح من صنع الله، ولن تعالج أمراضها وعللها إلا بالدواء الذي يقدم لها من يد الله).

ومن أروع ما قرأت: ما قاله المفكر الشهير اشبنجل إذ يقول: إن للحضارات دورات فلكية، فهي تغرب هنا لتشرق هناك، وإن حضارة أوشكت على الشروق في أروع صورة ألا وهي حضارة الإسلام الذي يملك وحده أقوى قوة روحانية عالمية نقية.

ومحل الشاهد من هذه الفقرة أن الإسلام وحده هو الذي يمد الروح بغذاء إلهي نقي، وهو الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ملجأ لهذه البشرية من هذا الضنك إلا بالعودة إلى منهج الله عز وجل.

ويألم القلب أن يقال هذا الكلام للمسلمين الذين يلهثون الآن وراء كل ناعق؛ ووراء الشرق الملحد تارة، ووراء الغرب الكافر تارة أخرى.

لما سقط الشرق الملحد ها نحن نرى الآن كثيراً من العلمانيين يعزفون على وتر العودة إلى كل ما هو غربي، حتى قال أحدهم في وضوح: لقد عزمنا على أن نأخذ كل ما عند الغربيين، حتى الالتهابات التي في رئاتهم، والنجاسات التي في أمعائهم.

وطبقت الأمة قول الصادق صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضبِّ لدخلتموه -وفي لفظ: لتبعتموهم- قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟! قال فمن؟).

راحت الأمة تحاكي محاكاة عمياء، وتقلد تقليداً أعمى، ومكمن الخطر -كما ذكرت- أنه يحاول الآن أن يفرض على المجتمعات المسلمة ما وصلت إليه المجتمعات الكافرة من انتكاس سحيق للفطرة من زنا وشذوذ وانحراف.

فلا سعادة للبشرية عامة وللمسلمين خاصة إلا بالعودة إلى منهج الله عز وجل؛ لأن الله هو خالق الإنسان، وهو وحده الذي يعلم ما يفسده وما يسعده، أليس ربك هو القائل: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤]؟! عباد الله! لا ملجأ من الله إلا إليه، فواجب على الأمة أن تفيء مرة أخرى إلى منهج الله عز وجل، ولابد أن نعلم جميعاً أن منهج الله سبحانه وتعالى لا يحارب الفطرة ولا يستصغرها، وإنما يرقيها وينظمها ويطهرها، ويرتقي بها إلى أسمى ما يليق بالإنسان كإنسان.

ونقول للعلمانيين: إن منهج الله لا يحارب دوافع الفطرة ولا يستصغرها، بل يرقيها ويطهرها ويرقى بها إلى أسمى الأحوال التي تليق بالإنسان كإنسان.

إن منهج الله عز وجل قد وضع كثيراً من الضمانات الوقائية التي تحفظ للمجتمع طهره وصفاءه ونقاءه، ويعاقب منهج الله سبحانه وتعالى كل من شذَّ عن هذه الضمانات الوقائية وانطلق ليتمرغ في أوحال الرذيلة طائعاً مختاراً غير مضطر.

ومنطق العقلاء يقول دائماً: لو أن مريضاً ابتلي في ضرس من أضراسه بمرض السرطان، وقرر الأطباء قلع هذا الضرس حتى لا ينتقل المرض في كل الأضراس الأخرى، أليس من الحكمة بل من الرحمة أن نستأصل هذا الضرس لنبقي على بقية الأضراس الأخرى بأمر الله عز وجل؟! أليست هذه الرحمة بعينها أيها الأحبة؟! أليست هذه الحكمة؟! هذا هو منطق العقلاء.

كذلك منهج الله عز وجل؛ لو أن إنساناً توفرت له الضمانات الوقائية في المجتمع الإسلامي، وترك هذا الإنسان تلك الضمانات، وراح ليتمرغ في وحل الرذيلة الآسن العفن طائعاً مختاراً غير مضطر، فحينئذ يتقدم منهج الله ليعاقب هذا الإنسان، حتى لا ينطلق لينشر في الأرض الفساد، أو لينتهك الحرمات والأعراض، وهذه قمة الرحمة بعينها!! أيقال حينئذ بأنها قسوة بأنها عنف؟! لا، ورب الكعبة! بل: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:١٧٩].