عمر بن عبد العزيز شاب في ريعان الشباب، استمرت ولايته قرابة سنتين ونصف، واستطاع فيها أن يضع يده على الداء الذي استشرى في أمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، ونجح في أن يستل جرثومته بيد بيضاء نقية، وأن يعيد البشرية عوداً حميداً إلى الهدى والنور، وكأنها تعيش في زمن الوحي، حتى خرج المنادي يقول: من كان عليه دين فسداد دينه من بيت مال المسلمين!! وهذا الشبل من ذاك الأسد، سدد عمر بن عبد العزيز الديون، وبقيت البركة باركة في بيت المال، فخرج المنادي يقول: من أراد -من شباب المسلمين- أن يتزوج فزواجه من بيت مال المسلمين!! فزوج الشباب، وبقيت البركة باركة في بيت المال!! فخرج المنادي للمرة الثالثة -وهي أعجب- ليقول: أيها الناس! من أراد حج بيت الله -وهو لا يستطيع- فحج بيت الله على نفقة بيت مال المسلمين! وخرج من أراد الحج وبقيت البركة باركة في بيت المال! هل فعل هذا في مائة سنة؟! في ألف سنة؟! لا والله، في سنتين ونصف، ألم أقل لكم: إن العمر يطول بجلائل الأعمال، وعظائم البطولات؟! فيأيها المسلم! أطل عمرك بعمل الخيرات وعمل الطاعات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اغتنم خمساً قبل خمس، -هذا أمر نبيك، وهذه وصية حبيبك محمد، والحديث رواه أحمد وغيره وهو حديث صحيح- اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك).
اغتنم هذه الغنائم: اغتنم الغنى قبل الفقر، والشباب قبل الهرم، والصحة قبل المرض، والحياة قبل الموت!! اغتنم هذه الغنائم، ولا تضيع عمرك، ولا تضيع ساعات وقتك، فإن العمر يولي، وغداً سترى نفسك بين يدي الله.