للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صور من أجل الإسلام والمسلمين في أمريكا]

إنه وعد الله يا إخواني! ويا أحبابي! وأبشركم إن في أمريكا في العشر الأواخر من رمضان كان يصلي معي في (بروكلين) في نيويورك في مكان واحد من هذه الولاية الكبيرة مايزيد على خمسة آلاف موحد لله جل وعلا، يصلون التراويح والقيام في مسجد واحد، والله لقد أعلن الإخوة عن الصلاة في مسجد مصعب بن عمير، ويوم أن حان وقت العصر قال الإخوة: سيضيق المكان بالمصلين، فراحوا إلى قاعة أخرى كبيرة مستأجرة، ونقلوا صلاة التراويح فيها، ورأينا الجموع الموحدة التي جاءت وقد ملت المعصية، جاءت تصرخ وتنادي وتبحث عن غذاء الروح، وقف هؤلاء جميعاً، وفي ليلة القدر رأيت العدد قد زاد عن ذلك بكثير.

وفي أمريكا أيها الأحبة! لا أكون مبالغاً إن قلت: ما من يوم يمر الآن إلا ويدخل الإسلام رجل جديد، وقد أنطقت بعضهم الشهادة بلساني في العشر الأواخر، وهؤلاء يا إخواني -ورب الكعبة- إنهم يريدون شيئاً يسعد أرواحهم، برغم ما وصلوا إليه في جانب المادة! وفي جانب العلم! وهذا شيء لا ننكره.

لكنهم والله تنظر إليهم فترى أحدهم يجري كالمطارد، ويضحك كالمجنون، ويئن من الألم، يريد شيئاً يسعد روحه يريد شيئاً يسعد نفسيته يريد شيئاً يسعد وجدانه! الفطرة الطيبة تصرخ في أعماقهم، ولكن أين الدعاة؟! صلينا المغرب والعشاء في إحدى المطارات وفي مدينة يانابلس قال أحدنا: كنا نصلي لله جل وعلا؟ فقال أحدهم: تصلون لمن؟ قلنا: لله.

قال: ومن الله؟ ومن أنتم؟ ومن أي البلاد جئتم؟ فقلنا: نحن مسلمون نحن موحدون نحن محمديون.

فقال: لا نعرفكم.

والله يا إخوان إن منهم من لا يعرفون عن الإسلام إلا قليلاً، وإذا عرفوا شيئاً عن الإسلام لا يعرفون إلا الصورة المظلمة، ولا يعرفون عن الإسلام إلا القتل، ولا يعرفون عن الإسلام إلا السفك، ولا يعرفون عن الإسلام إلا الإرهاب، وجزى الله العلمانيين الذين يدندنون في الليل والنهار ليشوهوا صورة الإسلام وصورة الملتزمين الطاهرين والطاهرات شراً، فوالله لو عرفوا الإسلام على حقيقته لوحدوا الله جل وعلا، ولدخلوا في دين الله أفواجاً.

اقترب أحدهم منا وقال: ماذا كنتم تفعلون؟ قلنا: كنا نصلي.

فقال: لمن؟ قلنا: لله.

قال: ومن الله؟ فأجابه أحد الإخوة.

فقال: من أنتم؟ قلنا: مسلمون.

قال: ومن أي البلاد؟ فلنا: من هنا، ومن هنالك.

ولكن لفت نظره سجودنا، فقال: وماذا كنتم تصنعون حينما وضعتم الوجوه على التراب وعلى الأرض؟ فقال هذا الأخ: كنا نصلي لله، وهذا ركن من أركان صلاتنا يسمى السجود، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد بين يديه جل وعلا، أتدرون ماذا قال يا إخواني؟! والله لقد نظر هذا الرجل وقال: إنه في بعض الأوقات تعصف بي حالات نفسيه وقلق، وأحس باضطراب شديد وألم فضيع، ولا أحس براحة لهذه الحالة إلا إذا قمت ووضعت وجهي على الأرض كما رأيتكم تفعلون! إنها فطرة التوحيد ورب الكعبة! قال عز وجل: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم:٣٠].

وبعض الإخوة أخبروني عن شاب صغير، دخل عليهم بعد صلاة الفجر، وهو لا يجاوز الخامسة والعشرين من عمره، وأشار إليهم وأول كلمة قالها: أريد أن أكون محمدياً، أريد أن أكون مسلماً، فقالوا: من أنت؟ فقال: لا تسألوني، وبعد يوم ويوم وفي اليوم التالي اقترب منه واحد من إخواننا من مصر وقال: يا أخي! ما حكايتك؟ وما قصتك؟ فقال: أنا شاب نصراني من أصل أسباني، نشأت منذ نعومة أظفاري وأنا أحب المسيح عليه السلام، وقلبي متعلق به، ولكنني نظرت إلى أحوال النصارى في أمريكا فوجدتهم أبعد ما يكون من تعاليم المسيح عليه السلام، ففتشت عن الدين الحق فوجدت هذه التعاليم في دين الإسلام، وفي الليلة التي دخلت عليكم فيها جاءني المسيح في الرؤيا وأشار إلي بسبابته وقال لي: كن محمدياً.

فخرجت من بيتي أبحث عن مسجد حتى دلني الله عز وجل عليكم، فدخل عليهم أيها الأحبة ودلوه على الإسلام، فأسلم لله جل وعلا، وأذن المؤذن لصلاة العشاء، وقام هذا الأخ الحبيب ليدخل مع إخوانه ليركع ويسجد لله رب العالمين، فانتهى الإخوة من صلاتهم ولازال أخونا ساجداً لله، وبعد أن انتهى الإخوة من الصلاة اقترب منه أحدهم فحركه فوجده قد قبض وفاضت روحه إلى الله جل وعلا!! والله ما من يوم يمر إلا ويدخل الإسلام في أمريكا مسلم جديد، أو مسلمة جديدة، وقد التقيت بمسلمة أمريكية فقلت لها: ما شعورك؟ فقالت: والله يا أخي إني أريد الآن أن أصرخ بأعلى صوتي لتستمع إلي كل امرأة في أمريكا: إنني قد وجدت ديناً يحفظ للمرأة كرامتها!! فاسمعوا أيها العلمانيون الكاذبون! يا من تدعون كل يوم إلى الحرية على مصراعيها! يا من تزعمون أن المرأة في الإسلام أمة! اسمعوا لمرأة دخلت الإسلام وذاقت طعم الإيمان، تقول: والله إني أود أن تستمع إلي كل امرأة بأنني وجدت ديناً يحفظ للمرأة كرامتها! إنه دين الله؛ فإن المرأة عندنا أيها العلمانيون لؤلؤة مصونة، وجوهرة ثمينة، وهل لرجل عاقل أن يلقي جوهرة ثمينة للأعين لتعبث بها؟ وللأيدي لتسرقها؟ لا والله! بل إننا ما حافظنا عليها إلا لأنها لؤلؤتنا المكنونة، ودرتنا المصونة، وأمنا، وأختنا، وبنتنا، وخالتنا، وعمتنا، فإذا لم نحافظ عليها وهي كذلك فعلى من نحافظ؟ وأبشركم أيها الأحبة الكرام! بأنه في شهر يناير في عام (٩٤م) احتفلت وزارة الدفاع الأمريكية في البنتاجون احتفالاً رسمياً حضره عدد كبير من وفود العالم الإسلامي، وعدد كبير من وكالات الأنباء والصحفيين، أتدرون لماذا أقيم هذا الاحتفال؟ أقيم هذا الاحتفال لاختيار وتنصيب أول مسلم ليؤم المسلمين في الصلاة في الجيش الأمريكي، هذا الأخ برتبة نقيب يسمى عبد الرشيد محمد، وهو في قمة الفهم، وفي قمة الوعي، قال كلمة ما سمعتها من عالم، قال: إن الغرب يتهمنا بأننا أصوليون؟ قلت: نعم.

قال: يا أخي! مشكلتنا أننا لسنا بأصوليين، ليتنا كنا من الأصوليين، وليتنا عدنا إلى أصولنا، وليتنا أخذنا بأصول ديننا، لكنهم يتهموننا بذلك ولسنا والله كذلك، بل إنني أسأل الله أن يكون المسلمون من الأصوليين، وممن يعودون إلى أصلهم وإلى نبع شرفهم ونعيم كرامتهم ووجودهم.