للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قلوب الصالحين مخلصة لله]

أيها الأحبة: قلوب الصالحين قلوب متجردة لا تعمل إلا لله تبارك وتعالى، ولا تبتغي الأجر إلا من الله عز وجل، لا تعمل من أجل جماعة، ولا تعمل من أجل زعامة، ولا تعمل من أجل صدارة، وما أحوج الأمة الآن إلى هذا التجرد! وما أحوج العاملين للإسلام إلى هذا التجرد.

لا يهمنا من يرفع الراية من المسلمين، من الصالحين، المهم أن ترفع الراية، ولا يهمنا من يقول قولة الحق من المسلمين، المهم أن تقال قولة الحق، وهاهو سيف الله المسلول خالد بن الوليد يعلم الأمة الآن هذا الدرس الكريم، حينما يعزله عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن قيادة الجبهة العامة في بلاد الشام، ويولي عمر من جديد أبا عبيدة بن الجراح أمين الأمة وكان قد ولى الصديق خالد بن الوليد، وأرسل رسالة إلى قائد الجيوش العامة في الشام أبي عبيدة وقال أبو بكر بعد أن حمد الله وأثنى عليه: من أبي بكر إلى أبي عبيدة بن الجراح! سلام الله عليك وبعد: فإني قد وليت خالد بن الوليد قيادة الجبهة في بلاد الشام، فاسمع له وأطع، ووالله ما وليته القيادة العامة إلا لأني أظن أن له فطنة في الحرب ليست لك، وأنت عندي يا أبا عبيدة خير منه.

وأرسل الصديق الأمر إلى خالد، فأرسل خالد بن الوليد رسالة إلى أبي عبيدة: من خالد بن الوليد إلى أبي عبيدة بن الجراح، سلام الله عليك وبعد: فإني قد تلقيت أمر خليفة رسول الله يأمرني بالسير إلى بلاد الشام والقيام بأمرها والتولي لجندها، ووالله ما طلبت ذلك وما أردته، وأنت في موطنك الذي أنت فيه يا أبا عبيدة، أنت سيدنا وسيد المسلمين، لا نستغني عن رأيك ولا عن مشورتك، أراد الله بنا وبك خيراً والسلام.

فيتنازل أبو عبيدة بن الجراح عن القيادة لـ خالد؛ ليصبح أبو عبيدة جندياً مطيعاً بعد أن كان بالأمس القريب قائداً مطاعاً، ويعزل عمر خالد بن الوليد ويولي أبا عبيدة، فيتنازل خالد بن الوليد لـ أبي عبيدة عن القيادة ليتحول هو الآخر وليصبح جندياً مطيعاً بعد أن كان بالأمس القريب قائداً مطاعاً.

ما أحوجنا إلى هذا التجرد في هذه الأزمة الطاحنة، فلتقدم الأمة الأبناء، ليقف كل واحد في مكانه الذي يناسبه، ليبدع فيه بقدراته وإمكانياته التي آتاه الله سبحانه وتعالى، وفي صحيح البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال: (طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، وإن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع).

ما أحوجنا إلى هذا التجرد! إلى هذا الإخلاص! واعلم بأن كل قولة وحركة لا تبتغي بها وجه الله جل وعلا لا قبول لها عند الله، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:٥]، وقال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف:١١٠]، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: أنا أغنى الأغنياء عن الشرك، فمن عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه).