ولكن أيها المسلمون: اعلموا علم اليقين -والله الذي لا إله غيره- أنه لا عز لنا إلا بالإسلام، ولا قيام لنا إلا بالإسلام، ولا وجود لنا إلا باتباع محمد عليه الصلاة والسلام، ولقد ورد في مستدرك الحاكم، وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين البخاري ومسلم، ووافقه على ذلك الإمام الذهبي قال: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج يوماً إلى الشام ليلقى أبا عبيدة بن الجراح، وكان عمر بن الخطاب يركب ناقته، وفي الطريق مر عمر بن الخطاب على مخاضة -أي: على بركة من الطين والماء- ونظر عمر بن الخطاب إلى هذه المخاضة وإلى بركة الطين والماء، فماذا صنع أمير المؤمنين؟ أشفق عمر بن الخطاب على ناقته فنزل من على ظهرها وجرها سحباً بيديه وخلع نعليه ووضعهما على عاتقه وأخذ بزمام الناقة، خشي من الله جل وعلا أن يركب على ظهرها لتخوض به هذه المخاضة.
أرأيتم؟ فهو الذي كان يمد يده الشريفة في دبر البعير المريض ليداويه ويعالجه، وإذا ما نظر إلى البعير المريض وهو يشتكي وهو يئن بكى عمر بن الخطاب وقال له:[والله إني لخائف أن يحاسبني ربي عما بك من مرضٍ يوم القيامة].
عمر ينزل من على ظهر الناقة ويضع نعليه على عاتقه ويسحب ناقته من زمامها، وينظر أبو عبيدة بن الجراح ويتعجب لحال عمر ويقول له: يا أمير المؤمنين! أأنت تصنع ذلك؟! والله لا أحب أن القوم قد استشرفوك -أي: إنني أكره أن يراك أحدٌ وأنت على هذه الحالة، أتدرون ماذا قال عمر؟ - قال عمر: أوه يا أبا عبيدة؛ لو قالها أحدٌ غيرك لجعلته نكالاً لأمة محمد، ثم قال:[يا أبا عبيدة والله لقد كنا أذل قومٍ فأعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله] لا عز لنا إلا بإسلامنا، ولا كيان لنا إلا بديننا، ولا بقاء لنا إلا بالتزامنا، أما أن ينعق كل ناعقٍ، ويفتري كل مفترٍ، ويقول في العلم والدين بغير علم أو بالهوى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام البخاري والإمام مسلم من حديث ابن عمر، أنه صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله لا ينزع العلم انتزاعاً من صدور الرجال، ولكن بقبض العلماء، فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علمٍ فضلوا وأضلوا) أين أنتم يا هؤلاء، يا من تتبجحون على الدين بغير علم؟ ويا من تجترئون على الدين بغير علم؟ أين أنتم من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان إذا ما سئل يقول:(انتظروا حتى يأتيني جبريل بالوحي من عند الله)؟ أين أنتم من صحابة رسول الله؟ أين أنتم من التابعين؟ وهذا هو القاسم بن محمد إمام من فقهاء المدينة السبعة، يأتيه سائل ليسأله عن شيء فيقول القاسم: إني لا أحسنه، إني لا أعرف ولا أدري، فتعجب السائل وقال له: يا قاسم، أنا أتيتك لا أعرف غيرك، وأنت تقول: لا أعرف، ولا أدري، فنظر إليه القاسم وقال: يا أخي لا تنظر إلى طول لحيتي، ولا إلى كثرة الناس من حولي، والله لا أحسنه، والله لا أعرف، ولا أدري، وكان شيخٌ إلى جوار القاسم من شيوخ قريش فقال له: أيها العالم يا ابن عمي! الزمها فوالله ما رأيناك في مجلسٍ أنبل منك اليوم فقال القاسم: والله لأن يقطع لساني خيرٌ وأحب لي من أن أقول في الدين بما لا علم لي به.
لكننا الآن نجد هؤلاء الذين يجترئون على الدين، ويقولون في الدين بغير علم من منطلق الهوى، والهوى يضل صاحبه عن سبيل الله:{يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}[ص:٢٦].