أيها الإنسان المغرور! يا من أنفقت المليارات! وتحديت رب الأرض والسماوات، انظر لخلق الله، يلتقي الرجل بالمرأة ويستمتع ويتلذذ كل منهما، ويلقي الرجل نطفته، وهذه النطفة تحتوي على مئات الملايين من الحيوانات المنوية، تنطلق هي بدورها لتبحث عن البويضة، وتخرج البويضة كأنها عروس في كامل زينتها عليها تاج مشع، نعم عليها تاج مشع! وهذا مفهوم علمي وليس مفهوماً أدبياً، عليها تاج مشع لعلها تجذب إليها حيواناً منوياً واحداً، فتهلك كل هذه الملايين من الحيوانات، ولم تكتشف هذه القضية العلمية إلا في القرن العشرين، في الوقت الذي أخبر عنها المصطفى منذ مئات السنين، اسمع لحبيبك محمد -والحديث في صحيح مسلم - قال صلى الله عليه وسلم:(ما من كل الماء يكون الولد) بل تهلك كل الحيوانات، ويبقى حيوان منوي واحد:(ما من كل الماء يكون الولد، وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء)، فيصل هذا الحيوان المنوي الواحد إلى جدار البويضة، فتخرج له سائلاً لزجاً لعله يتعلق بجدارها! ويفرز هو الآخر سائلاً لعله أن يذيب هذا الشعاع الملتف حول البويضة، ثم يخترق الحيوان المنوي جدار البويضة، فإذا ما أخصبت البويضة بأمر الملك تكون ما يسمى بالنطفة الأمشاج، قال تعالى:{إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}[الإنسان:٢]، تتكون هذه النطفة الأمشاج، ثم تبدأ الخلية في الانشطار إلى خليتين، والخليتان إلى أربع، وهكذا حتى تتكون في صورة تشبه الدودة، فتتعلق هذه الدودة بجدار الرحم، فتتحول إلى المرحلة التالية ألا وهي مرحلة العلقة، وسميت بالعلقة لتعلقها بجدار الرحم، وتبدأ هذه العلقة بالتمايز إلى طبقتين: طبقة خارجية وظيفتها أن تأكل الرحم؛ لتحصل على الدماء لتغذي الجنين، أما الطبقة الداخلية في العلقة فوظيفتها: تخليق الجنين وإنشاؤه في الرحم.
وبعد مرحلة العلقة تتحول هذه العلقة إلى مضغة، وسميت مضغة؛ لأن العلماء اكتشفوا على ظهرها أشباه أثر أسنان وكأنها قد مضغت، وهذه المضغة بعد مرحلة تكون عظاماً، ثم يكسوا الله جل وعلا العظام باللحم، ثم ينشئ الله الإنسان خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين، قال جل وعلا:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}[المؤمنون:١٢ - ١٤].
أيها المسلمون! أئله مع الله؟! هذا خلق الله جل وعلا، فتبارك الله أحسن الخالقين.
وقد قفت على كلمة لعالم فرنسي شهير كبير تابع نمو الجنين في رحم الأم: نطفة ثم علقة ثم مضغة، وفجأة -في الوقت الذي شاء الله أن يرسل الملك فينفخ فيه الروح- تحرك هذا الجنين لما نفخت فيه الروح، فصرخ العالم الذي كان يتابع النمو ساعة بساعة وقال:(هنا الله)! توقف كل العلم البشري، من أين جاءت الحياة إلى هذا الجنين؟! لماذا تحرك؟! ما الذي حدث؟! إنها الروح:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}[الإسراء:٨٥]، وفي الصحيحين من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال:(وَكَّلَ الله بالرحم ملكاً فيقول الملك: أي رب! نطفة.
أي رب! علقة، أي رب! مضغة.
أي رب! أذكر أم أنثى؟ أي رب! ما رزقه؟ ما أجله؟ أي رب! أشقي أم سعيد؟ فيكتب الملك ما شاء الله) وفي رواية: (فيقضي ربك ما شاء).
أئله مع الله؟! العلم الحديث يقول: إنه يعلم الآن الجنين أهو ذكر أم أنثى! وأنا أقول لهم: نعم، لا ننكر عليكم أن تعلموا أن الجنين في بطن أمه ذكر أم أنثى، ولكن متى علمتم ذلك؟ لقد علمتم ذلك في مرحلة معينة من مراحل النمو، ولكننا نقول: إن الله جل وعلا قد علم أن فلاناً من الناس سيلتقي بفلانة، ويتزوج بها في الليلة الفلانية، ويقدر الله بينهما الإنجاب، ويعلم الله هل سيكون المولود ذكراً أم أنثى، ويعلم الله أيكون هذا المولود شقياً أم سعيداً، ويعلم الله أجله، ويعلم الله رزقه، ويعلم الله بأيِّ أرض يموت.
اسألوا أهل العلم وقولوا لهم: أأنتم أعلم أم الله؟! قل للطبيب تخطفته يد الردى يا شافي الأمراض من أرداك قل للمريض نجا وعُوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاك قل للصحيح مات لا من علة من يا صحيح بالمنايا دهاك بل وسل البصير كان يحذر حفرةً فهوىَ بها من ذا الذي أهواك بل سائل الأعمى خطى وسط الزحام بلا اصطدام من يقود خطاك وسل الجنين يعيش معزولاً بلا راع ومرعى ما الذي يرعاك وسل الوليد بكى وأجهش بالبكاء لدى الولادة ما الذي أبكاك وإذا ترى الثعبان ينفث سمه فسله من ذا بالسموم حشاك واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا السم يملأ فاك واسأل بطون النحل كيف تقاطرت شهداً وقل للشهد من حلاك بل سائل اللبن المصفى من بين فر ث ودم من ذا الذي صفاك وإذا رأيت الحي يخرج من ثنا يا ميت فاسأله من أحياك وإذا رأيت النبت في الصحراء ير بو وحده فاسأله من أرباك وإذا رأيت النخل مشقوق النوى فاسأله من يا نخل شق نواك وإذا رأيت البدر يسري ناشراً أنواره فاسأله من أسراك وإذا رأيت النار شب لهيبها فاسأل لهيب النار من أوراك وإذا ترى الجبل الأشم مناطحاً قمم السحاب فسله من أرساك لله في الآفاق آيات لعـ ل أقلها هو ما إليه هداك ولعل ما في النفس من آياته عجب عجاب لو ترى عيناك والكون مشحون بأسرار إذا حاولت تفسيراً لها أعياك أئله مع الله؟! سل الواحة الخضراء والماء جاريا وهذه الصحاري والجبال الرواسيا سل الروض مزداناً سل الزهر والندى سل الليل والإصباح والطير شاديا سل هذه الأنسام والأرض والسما سل كل شيء تسمع التوحيد لله ساريا ولو جن هذا الليل وامتد سرمدا فمن غير ربى يرجع الصبح ثانيا أئله مع الله؟! انظر لتلك الشجرة ذات الغصون النضرة كيف نمت من حبة وكيف صارت شجرة ابحث وقل من ذا الذي يخرج مها الثمرة ذاك هو الله الذي أنعمه منهمرة ذو حكمة بالغة وقدرة مقتدرة