الفراغ القلبي: وهو أخطر أنواع الفراغ على الإطلاق، أن يفرغ القلب من الإيمان، أن يفرغ القلب من اليقين، أن يفرغ القلب من الرضا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبالمصطفى نبياً ورسولاً.
إن فرغ القلب من الإيمان فصاحب هذا القلب ميت وإن تحرك بين الأحياء، فالقلب وعاء الإيمان كما قال المصطفى في حديث النعمان الذي رواه الشيخان وفيه:(ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب).
القلب هو الملك، والأعضاء جنوده ورعاياه: فإن طاب الملك طابت الجنود والرعايا، وإن خبث الملك خبثت الجنود والرعايا.
فإن عمر القلب بالإيمان ما شعر الإنسان أبداً بالفراغ؛ لأنه في كل لحظة سيتلذذ بالأنس بالله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: مساكين والله أهل الدنيا؛ خرجوا من الدنيا ولم يذوقوا أطعم وأحلى ما فيها.
قيل: وما أطعم ما فيها؟! قال: ذكر الله، والأنس بلقائه.
الأنس في طاعة الله، والأنس في ذكر الله جل وعلا، فإذا عمر القلب بالإيمان شعر الإنسان بلذة الحياة، وبطعم الطاعة والعبادة لله جل في علاه، روى أبو نعيم والديلمي وصححه الألباني من حديث علي أن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ما من القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر، فبينا القمر مضيء إذ علته سحابة فأظلم، فإذا تجلت عنه أضاء)، فكذلك نور الإيمان في القلب، إن حجب نور الإيمان بسحائب الظلم والذنوب والمعاصي؛ فتر الإنسان عن طاعة الله، بل وربما انجرف وانحرف؛ لأن القلب سيفرغ من حقيقة الإيمان، وفراغ القلب من الإيمان هلاك للعبد في الدنيا، وخسران له في الآخرة؛ لأن أصل النجاة هو الإيمان، ولأن مدار الفلاح على الإيمان بالله تبارك وتعالى.
فالفراغ القلبي من الإيمان سيعرض القلب لكل أنواع الفتن، روى مسلم من حديث حذيفة أن المصطفى قال:(تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً، فأيما قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود القلوب على قلبين: قلب أسود مُربادّاً كالكوز مُجخياً، لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه، وقلب أبيض لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض) فالقلب وعاء الإيمان ومحط الفتن، فإذا فرغ القلب من الإيمان تعرض الإنسان لكل فتنة، وتشربها قلبه.