قد بينت السنة مكانتها مع القرآن، فيقول صاحب السنة كما في الحديث الذي رواه الحاكم في المستدرك، وصححه على شرط الشيخين، وأقره الذهبي والألباني من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض)، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال:(والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار).
وفي الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله كتب عليكم الحج فحجوا فقام رجل فقال: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال في الثالثة: لو قلت نعم لوجبت -وهذا تشريع- ذروني ما تركتكم، إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه).
وفي صحيح البخاري من حديث جابر بن عبد الله:(أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته يوم الملائكة وهو نائم، فقال بعضهم -أي: بعض الملائكة-: إنه نائم وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان.
فقال بعضهم: إن لصاحبكم هذا مثلاً فاضربوا له مثلاً، قالوا: مثله كمثل رجل بنى داراً، وجعل فيها مأدبة -وضع فيها طعاماً- وبعث داعيه، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة.
قالوا: أولوها له يفقهها -أي: فسروا له هذه الرؤيا أو هذا المثل-.
قالوا: فالدار هي الجنة، والداعي هو محمد، فمن أجاب الداعي دخل الدار -أي: دخل الجنة- وأكل من المأدبة -أي: استمتع بنعيمها- فمن أطاع محمداً فقد أطاع الله، ومن عصى محمداً فقد عصى الله، ومحمد فرق بين الناس).
والآيات والأحاديث التي تبين حجية السنة كثيرة، ومما يؤيد حجية السنة وأنها ملزمة ومستقلة بالتشريع الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود والترمذي من حديث العرباض بن سارية قال:(وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: كأنها موعظة مودع فأوصنا يا رسول الله.
فقال: أوصيكم بالسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة).
هذه هي حجية السنة بنص القرآن الكريم، وأقول لمن يزعمون أن الإسلام هو القرآن: ها هو القرآن يبين مكانة السنة وحجية السنة، وها هي السنة يبين صاحبها صلى الله عليه وسلم مكانة السنة من القرآن، فإن السنة لا تفارق القرآن أبداً حتى يردا الحوض على النبي عليه الصلاة والسلام.