ٍوتدبروا هذا الدرس الذي رواه مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي قال: بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجلٌ من القوم -أي: في الصلاة- فقلت له: يرحمك الله، أي: وهو في الصلاة؛ لأنه لا يعلم الحكم.
يقول معاوية رضي الله عنه:(فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه! ما شأنكم تنظرون إليّ، فجعلوا يضربون على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني سكتّ، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -بأبي هو وأمي- ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني وإنما قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس).
ومن حديث أبي هريرة وأنس يقول أنس:(بينما نحن في المسجد مع رسول الله إذ جاء أعرابي فدخل المسجد فبال في المسجد، فقال أصحاب النبي: مه مه -يعني: ماذا تصنع- تبول في مسجد النبي؟! فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لا تزرموه، دعوه) أي: لا تقطعوا عليه بوله.
فتصور يا أخي! وتذكر هذه الكلمات النبوية الغالية:(لا تزرموه) فأنهى الرجل بوله مطمئناً، ثم نادى عليه نهر الرحمة وينبوع الحنان ومعلم الحكمة، نادى عليه بأبي هو وأمي وقال له:(إن المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما جلعت لذكر الله عز وجل وللصلاة ولقراءة القرآن) وفي رواية ابن ماجة بسند صححه شيخنا الألباني رحمه الله: أن هذا الأعرابي أصبح فقيهاً بعد هذه الكلمات فقال: بأبي هو وأمي قام إلي، فلم يؤنب، ولم يسب، ولم يضرب.
ثم تأثر هذا الأعرابي بأخلاق الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم، فقام يدعو للنبي في الصلاة، كما في رواية البخاري في كتاب الأدب من حديث أبي هريرة أنه قام يدعو للنبي ويقول:(اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً! فقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم: لقد حجرت واسعاً) أي: ضيقت ما وسع الله جل وعلا، فالله سبحانه يقول:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}[الأعراف:١٥٦].
ولكنها انفعالة تلقائية طبيعية بهذه الأخلاق السامقة، بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.