النصيحة الأولى: التوبة واتهام النفس، فلنتب إلى الله جميعاً، وليتهم كل واحد منا نفسه، وليتهم كل واحد منا نفسه، فعلام العجب؟ وعلام الكبر؟ وعلام الغرور؟ ولم يريد كل واحد منا أن ينفرد برأيه وأن يستقل دون أن نجلس لنعرض هذه الأقوال ولنعرض هذه الأفعال على كتاب الله وعلى سنة رسول الله بفهم السلف حتى لا نختلف؟! ولا ينبغي أن نقول: هم رجال ونحن رجال.
فإن كنت تريد بهذه المقولة أنهم رجال بذلوا أرواحهم لدين الله ونحن رجال لا نقل عنهم، فيجب علينا أن نبذل أرواحنا كذلك لدين الله فكلامك على العين والرأس، أما إن كنت تقصد أنهم رجال ونحن رجال تريد أن تضع رأسك برأس أبي بكر فهذا مرفوض -يا أخي- إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها بنص القرآن والسنة.
فهؤلاء عدلهم الله وزكاهم، وشهد لهم بالخيرية، بل ورضي الله عنهم ورضوا عنه سبحانه وتعالى، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم:(والذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)، فهم خير الناس بشهادة سيد الناس، والأدلة على ذلك كثيرة، فليتهم كل واحد منا نفسه، ولنجدد التوبة والأوبة إلى الله من فتن الشهوات، ثم لنرجع إلى العلم لينقذنا ربنا من فتن الشبهات، فلا مخرج لنا من الشهوات إلا بالتوبة، ولا مخرج لنا من الشبهات إلا بالعلم.
الجهل قبل الموت موت لأهله وأجسامهم قبل القبور قبور وأرواحهم في وحشة من جسومهم وليس لهم قبل النشور نشور قال تعالى:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}[الزمر:٩]، وقال تعالى:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجادلة:١١]، وقال تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:٢٨]، وقال تعالى:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[آل عمران:١٨].
قال ابن القيم: إن أول من شهد لله بالوحدانية هو الله، ثم ثنى بملائكته، ثم ثلث بأهل العلم.
وهذه هي العدالة في أعلى درجاتها، فإن الله جل وعلا لا يستشهد بمجروح، فلنرجع إلى العلم، ولنراجع الربانيين من العلماء، وإياك أن تتهم عالماً أو تنتقص من قدره، إن خالفت فتوى العالم ما تحبه أنت وما تهواه فلا تتعجل باتهام هذا العالم أبداً؛ فالأمر دين.
واعلم يا أخي -وفقني الله وإياك لمرضاته، وجعلني الله وإياك ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته- اعلم بأن لحوم العلماء مسمومة، وأن عادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب، فلتراجع العلماء الربانيين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن الأمة لا تخلو أبداً من العلماء الربانيين القائمين لله بحجة، والحديث في الصحيحين من حديث معاوية رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال:(لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك).
فلا ينبغي أبداً أن تقول: أين الربانيون من العلماء؟ فوق أي أرض؟ وتحت أي سماء؟ لابد أن ترى من يقوم لله تبارك وتعالى بحجة، من يبلغ عن الله وعن رسول الله بفهم الصحابة عليهم جميعاً رضوان الله.