[السمع بلا تردد والطاعة بلا انحراف]
المقتضى الخامس: سمع بلا تردد وطاعة بلا انحراف.
قال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور:٥١ - ٥٢].
هذا هو شعار المؤمنين: سمع بلا تردد، وطاعة بلا انحراف؛ لأنهم موصوفون بهذه الآية: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
فاعرض نفسك على الأمر النبوي والنهي النبوي والحد النبوي، وانظر هل امتثلت أمر النبي؟ وهل اجتنبت نهي النبي؟ وهل وقفت عند حدود النبي صلى الله عليه وسلم؟ فإن كنت ممن سمع الأمر فامتثله والنهي فاجتنبه والحد فوقف عنده فاسجد لربك شكراً، وسل الله أن يزيدك حباً على حب لحبيبك المصطفى.
وإن كنت ممن سمع الأمر فلم يمتثل، والنهي فلم ينته، والحد فلم يقف، فاعلم أن زعمك أنك تحب النبي زعمٌ باهتٌ بارد لا ساق له ولا قدم.
فشعار المؤمنين: السمع والطاعة، وشعار المنافقين: السمع والمعصية.
قال جل وعلا: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا} [النساء:٦٠]، هذا هو شعار المنافقين، ومعنى الآية: ألم تر يا محمد! إلى هذا العجب العجاب إلى قوم يزعمون أنهم آمنوا بك وبما أنزل عليك، بل وبما أنزل من قبلك، ومع هذا الزعم الباهت البارد الفارغ يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، وقد أمرهم الله أن يكفروا به؟! وقال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ} [البقرة:٢٥٦]، وقال: {أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:٣٦]، فشعار المؤمنين: سمعنا وأطعنا، وشعار المنافقين: سمعنا وعصينا.
فتدبر أيها المسلم الحبيب! فوالله ما رُحَمِتْ هذه الأمة إلا ببركة السمع والطاعة.
ولما نزل قول الله تعالى: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة:٢٨٤] على الحبيب المصطفى شق ذلك على أصحابه، فانطلقوا حتى جثوا على الرُكب بين يديه، وقالوا: يا رسول الله! كلفنا من الأعمال ما نطيق، الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، ولقد أُنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (أتريدون أن تقولوا ما قاله أهل الكتابين من اليهود والنصارى: سمعنا وعصينا، بل قولوا: سمعنا وأطعنا)، فرد الصحابة على لسان وقلب رجل واحد وقالوا: سمعنا وأطعنا؛ غفرانك ربنا وإليك المصير، فنزل قول الله جل وعلا: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ} [البقرة:٢٨٥] الآية.
فيا من تدعي الحب للنبي! لقد أمرك المصطفى بالصلاة في وقتها، فهل أديت الصلاة في أوقاتها؟! وأمرك المصطفى بترك الحرام والربا، فهل تركت الربا؟! وأمرك المصطفى بعدم شرب الخمر، فهل تركت الخمر؟! وأمرك المصطفى بترك الزنا، فهل انصرفت عن الزنا؟! وأمرك ببر الوالدين، فهل امتثلت الأمر؟! وأمرك بالإحسان إلى الجيران، فهل امتثلت الأمر؟ وأمرك بالإحسان إلى الإخوة والأهل والأحباب، فهل امتثلت الأمر؟! وأمرك بإعفاء اللحية، فهل امتثلت الأمر؟! وأمرك بأوامر كثيرة، فهل امتثلتها؟ فاعرض نفسك على أوامر النبي ونواهيه وحدوده، فإن كنت ممن امتثل الأمر واجتنب النهي ووقف عند الحد الذي حده المصطفى فاسجد لله شكراً، وسل الله أن يزيدك حباً على حبك لحبيبك المصطفى.
واحذر هذه الدعوى التي يغني بطلانها عن إبطالها، ويغني فسادها عن إفسادها ألا وهي: أنه يجب أن نعود الآن إلى القرآن فقط؛ لأن السنة فيها الضعيف والموضوع، احذر هذا! واعلم يقيناً بأنك إن عصيت رسول الله فقد عصيت الله، وإن أطعت رسول الله فقد أطعت الله، وإن صدقت رسول الله فقد صدقت الله، وإن امتثلت أمر النبي فقد امتثلت أمر الله، قال جل وعلا: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:٧].
وقال جل وعلا: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [آل عمران:١٣٢] وقال جل وعلا: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:٨٠] وقال جل وعلا: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥] وقال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات:١].
قال ابن عباس: أي: لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة.
قال مجاهد: أي: لا تفتاتوا شيئاً على رسول الله حتى يقضي الله على لسان نبيه.
قال القرطبي: أي: لا تقدموا قولاً ولا فعلاً على قول وفعل رسول الله.
قال الشنقيطي: ويدخل في الآية دخولاً أولياً تشريع ما لم يأذن به الله، فلا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله، ولا حلال إلا ما أحله الله ورسوله، ولا دين إلا ما شرعه الله على لسان رسوله.
فمن كذب المصطفى فقد كذب الله، ومن ضيع السنة فقد ضيع القرآن، ومن كفر بالنبي فقد كفر بالرحمن.
فإن أردت أن تصل إلى الله فاسلك طريق رسول الله؛ ولا نجاة لك إلا إن سلكت هذا الطريق، فاسلك طريق النبي لتسعد في الدنيا والآخرة.
وأحياناً يأتي إليّ أحد الأحبة بأذكار أو بأوراد للطائفة الفلانية أو للجماعة الفلانية أو للشيخ فلان أو للشيخ علان فأقول له: يا أخي الحبيب! هل تحب المصفطى؟! فيقول: والله ما حرصت على هذه الأوراد إلا حباً في المصطفى.
فأقول لك: فلا تسلك إلا طريق المصطفى، فاذكر الله كما ذكر الله حبيبك المصطفى، وصل لله كما صلى لله حبيبك المصطفى، فأكمل الهدي هديه، وأحسن الكلام كلامه، فإن أردت السعادة فاسلك طريق محمد بن عبد الله، واقتف الأثر، وسر على الدرب، وإياك! أن تسمع لأحد يخالف قوله قول النبي، بل اعرض كل قول على قول النبي فإن كان قولي موافقاً لقول النبي فاقبله لأنه الحق، وإن خالف قولي قول النبي فاضرب به عرض الحائط، فمهما كان القائل لهذا القول فلا تقل: من القائل، ولكن قل: ما قوله؟! وماذا قال؟! فطاعتك للحبيب المصطفى هي أصلاً طاعة لله، بل لقد حذر النبي عليه الصلاة والسلام من هذا الصنف الخبيث الذي يتغنى بالقرآن وبحب القرآن وبالإعراض عن السنة، فلقد روى أبو داود وصحح إسناد الحديث الألباني في (مشكاة المصابيح) من حديث المقدام بن معد يكرب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه) الكتاب أي: القرآن، ومثله أي: السنة، وهذه من معجزات المصطفى، يقول: (ألا يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته، يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ثم قال الحبيب: ألا إن ما حرم الله كما حرم رسول الله).