ومن موجبات الحسرة لهؤلاء أيضاً -والعياذ بالله- حينما تتم السعادة لأهل الجنة بالنظر إلى وجه الله كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ينادي الحق جل وعلا يوم القيامة على أهل الجنة، ويقول لهم: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير كله في يديك.
فيقول الله جل وعلا: هل رضيتم يا أهل الجنة؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى؟ ألم تدخلنا الجنة؟ ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تنجنا من النار؟ فيقول الله جل وعلا: أفلا أعطيكم أفضل من هذا؟).
وفي رواية مسلم:(يقولون: وأي شيء أفضل من هذا؟ فيقول جل وعلا: أن أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبداً).
يا للكرامة!! (أن أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً)، وفي رواية مسلم:(فيكشف الحجاب)؛ لأن الله جل وعلا حجابه النور كما ورد في صحيح مسلم من حديث أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور أو النار، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه).
ولكن يوم القيامة يتبدل كل شيء، ويتغير كل شيء، فيكشف الله الحجاب، فيتمتعون بالنظر إلى وجه الله عز وجل، وتلا النبي صلى الله عليه وسلم قول الله عز وجل:({لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}[يونس:٢٦])، والحسنى: هي الجنة، والزيادة: هي التمتع بالنظر إلى وجه ربنا جل وعلا.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: ليس نعيم الجنة في لبنها ولا في خمرها ولا في حريرها ولا في ذهبها ولا في حورها ولا في نعيمها! ولكن نعيم الجنة الحقيقي في رؤية وجه الله جل وعلا، هذا هو النعيم الذي ما انشغل به أهل الجنة إلا نسوا كل نعيم:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ}[القيامة:٢٢ - ٢٥].