في عجالة سريعة أقول: إن المواطن التي يحتاج فيها المسلم إلى الثبات كثيرة، وأهمها الثبات على الدين وعلى المنهج، والثبات في الفتن، والثبات في الجهاد، والثبات عند الممات.
أما الثبات على المنهج فواجب على كل مسلم أن يثبت على منهج الله، ومن فضل الله ورحمته بنا أن الله جعل منهجه ميسراً لكل مسلم، فما عليك إلا أن تخطو على طريق الله، وما عليك إلا أن تفتح باب المسجد، وأن تدخل إلى بيت الله، وأن تتضرع إلى الله، وأن تطرح قلبك بين يدي الله، واترك بعد ذلك التسديد والمدد والتوفيق لمن بيده القلوب جل وعلا، فالمنهج ميسر، وتدبر معي قول الله:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة:٢٨٦] الله أكبر! وقوله عز وجل: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}[الطلاق:٧]{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن:١٦]، وكما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه؛ فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم) الشاهد من الحديث قوله: (ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم) فمنهج الله ميسر، ما عليك إلا أن تخطو على الطريق، وستجد المدد والتوفيق والتسديد من الله جل وعلا.
فيجب عليك أن تثبت عند هذه الفتن الكثيرة التي ذكرت، وهذا بتعرفك على وسائل الثبات التي سأذكرها، وحرصك على أن تحولها في حياتك إلى واقع.
ويجب عليك أن تثبت في الجهاد، والجهاد مراحل ودرجات، أسأل الله أن يرفع علم الجهاد، وأن يقمع أهل الزيغ وأهل الفساد، ووالله ما ذلت الأمة إلا يوم أن تركت ذروة سنام الإسلام، وفي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود وأحمد وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم قال:(إذا تبايعتم بالعينة -والعينة نوع من أنواع البيوع الربوية- ورضيتم بالزرع، وتبعتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)، لقد تثاقلت البطون والقلوب إلى الأرض وإلى الوحل والطين، ونسيت الأمة هذه الرسالة المباركة التي أرسل الله بها أمثال الإمام المجاهد العلم عبد الله بن المبارك لأخيه التقي النقي عابد الحرمين الفضيل بن عياض، أرسل له بهذه الرسالة من ميدان البطولة والشرف من ساحة الوغى، من الميدان التي تصمت فيه الألسنة الطويلة، وتخطب فيه السيوف والرماح على منابر الرقاب، يقول عبد الله بن المبارك لأخيه الفضيل بن عياض: يا عابد الحرمين! لو أبصرتنا لعلمت أنك في العبادة تلعب من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب ريح العبير لكم ونحن عبيرنا رهج السنابك والغبار الأطيب من كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الكريهة تتعب ولقد أتانا من مقال نبينا قول صحيح صادق لا يكذب لا يستوي غبار خيل الله في أنف امرئ ودخان نار تلهب هذا كتاب الله ينطق بيننا ليس الشهيد بميت لا يكذب فلا بد أن يعد الإنسان نفسه ليثبت إن منَّ الله عز وجل برفع علم الجهاد؛ والجهاد ماضٍ وباقٍ إلى يوم القيامة، ومن كذّب ذلك وأنكره فقد كذب الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.
ومن أعظم مواطن الثبات: الثبات عند الممات، اللهم ثبتنا عند الموت، فالثبات عند الممات هو الغاية، بل أنت مأمور به كما قال عز وجل:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:١٠٢] فأنت مأمور أن تموت على الإسلام، فمن الذي يثبته الله على فراش الموت؟ ومن الذي يضله الله عن التوحيد على فراش الموت؟ سؤال ينبغي أن نفكر فيه بقلوب واعية، والجواب لك على هذين السؤالين من الله: يقول جل وعلا: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}[إبراهيم:٢٧].
إذاً: الذي يثبته الله على فراش الموت هو المؤمن، ويضل الله على فراش الموت الظالمين، فيخون الظالم لسانه، ويعجز اللسان أن يردد (لا إله إلا الله) في وقت يكون الإنسان في أمس الحاجة إلى أن يعي قلبه حقيقة التوحيد، وأن يترجم لسانه حقيقة الإيمان، وهنا ينقسم الناس إلى صنفين وهذا هو عنصرنا الرابع بإيجاز شديد.