لابد من التخلص من الوهن الذي أذل الأمة، ووضع رأسها في الطين والتراب، قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود من حديث ثوبان:(يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة على قصعتها، قالوا: أو من قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟! قال: كلا! أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، وليوشكن الله أن ينزع المهابة من قلوب عدوكم، ويقذف في قلوبكم الوهن، قيل: وما الوهن يا رسول الله؟! قال: حب الدنيا وكراهية الموت).
فالوهن الذي أذل الأمة هو حب الدنيا وكراهية الموت.
إن الأمة الآن -إلا من رحم ربك- تعيش لشهواتها الحقيرة، ونزواتها الرخيصة، وكل لا هم له إلا أن يقضي شهواته ونزواته، وأصبح جل الأمة يردد: دع الملك للمالك، ودع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله، بل ومنهم من يقول: دع ما لله لقيصر، إنها سلبية قاتلة، فأحبوا الدنيا وكرهوا الموت، مع أن الموت قادم، ومحال أن يفلت مخلوق من الموت، فمهما طالت بك حياة فأنت راحل إلى الله، كما قال عز وجل:{قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا}[النساء:٧٧].
فإذا أمر الله إسرافيل بالنفخ في الصور نفخة الصعق مات كل حي على ظهر الأرض، بل مات حتى أهل السماء، وبقي الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وكان آخراً كما كان أولاً، فهو الأول بلا ابتداء، وهو الآخر بلا انتهاء، كما قال عن نفسه:{هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[الحديد:٣]، في هذه اللحظات، وفي وسط هذا السكون المهيب، ينطلق صوت جليل قريب يسأل صاحب الصوت ويجيب، فما من سائل ولا مجيب في الوجود يومئذ غيره، فبعد أن يقبض الأرض والسماوات بيمينه يهتف الملك جل وعلا بصوته ويقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يقول سبحانه:{لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}[غافر:١٦].
قال الشاعر: أين الظالمون وأين التابعون لهم في الغي بل أين فرعون وهامان أين من دوخوا الدنيا بسطوتهم وذكرهم في الورى ظلم وطغيان هل أبقى الموت ذا عز لعزته أو هل نجا منه ذو السلطان إنسان لا والذي خلق الأكوان من عدم الكل يفنى فلا إنس ولا جان الفارق بيننا وبين أصحاب النبي أنهم كانوا يبحثون وسط ميدان البطولة والشرف عن الشهادة، أما نحن الآن فإننا نبحث عن الحياة، ونبحث عن المعيشة، وركنا إلى الوهن والطين، إنه الوهن الذي أصاب الأمة بالذل والهوان، ولا كرامة ولا عزة لهذه الأمة إلا إذا تخلصت من هذا الوهن، إلا إذا تخلصت من حب الدنيا وكراهية الموت، وعلمت يقيناً أن الدنيا مهما طالت فهي قصيرة، ومهما عظمت فهي حقيرة، وأن الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر، وأن العمر مهما طال لابد من دخول القبر، والتخلص من الوهن سيلزم الأمة برفع علم الجهاد.