وفي صلح الحديبية قال عمر بن الخطاب:(يا رسول الله! ألسنا على الحق؟! قال: بلى، أليسوا على الباطل؟! قال: بلى، أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟! قال: بلى، قال: فلم نعط الدنية في ديننا ونرجع؟!).
لقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف وأربعمائة رجل من أصحابه -على الراجح من أقوال المحققين من أهل السير- للعمرة، خرج رسول الله بإحرامه يسوق الهدي أمامه، ولم يخرج للقتال، ولكن المشركين تكبروا وعاندوا وأعرضوا ومنعوا رسول الله من دخول بيت الله الحرام، وأرسلوا إليه مفاوضين، حتى أرسلوا إليه سهيل بن عمرو؛ ليوقع عقد صلح الحديبية مع رسول الله، وكان عقداً مجحفاً ظالماً في الظاهر، حتى قال عمر: فلم نعط الدنية في ديننا؟! وغضب عمر إلى الحد الذي ترك فيه رسول الله وذهب إلى الصديق؛ ليقول له ما قاله للنبي: يا أبا بكر! ألسنا على الحق؟! قال: بلى، أوليسوا على الباطل؟! قال: بلى، أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: بلى، قال: فلم نعط الدنية في ديننا يا أبا بكر؟! فيقول الصديق لـ عمر ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لـ عمر، فالرسول قال:(إني رسول الله ولن يضيعني)، والصديق قال لـ عمر:(يا عمر! إنه رسول الله، ولن يضيعه).
ونزل القرآن على رسول الله يخبره أن الصلح كان فتحاً، ونزل قوله تعالى:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}[الفتح:١]، فلما سمع عمر الآية اطمأن قلبه، واستبشر بأنه فتح، وبالفعل لقد كان فتحاً، فلقد تفرغ النبي صلى الله عليه وسلم للدعوة، وأرسل كتبه إلى الملوك والحكام والرؤساء، وصار الإسلام قوة لا يستهان بها، وبعد سنوات قليلة عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه المؤمنين الأتقياء؛ ليفتحوا مكة بأمر رب الأرض والسماء، فكان صلح الحديبية -وإن كان في ظاهره ظلم شديد للمسلمين- فتحاً مبيناً، كما قال رب العالمين، وكما وعد بذلك سيد المرسلين:(لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ).