للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تمجيد العقل وإعلان الحرب على النص]

أولاً: بدءوا هذا المخطط الخبيث بإعلان الحرب على النص، مع التمجيد المستمر والمتعمد للعقل؛ حتى جعلوا العقل إلهاً يعبد من دون الله جل وعلا؛ ليسقطوا بالعقلانية المزعومة قدسية النصوص، ولو كانت النصوص ثابتة في القرآن وسنة النبي عليه الصلاة والسلام، بل أعلنوا ذلك صراحة فقالوا: لابد من إلغاء القاعدة المتفق عليها والتي تقول: (لا اجتهاد مع النص)؛ لأن هذه القاعدة تشكل حجراً على العقل البشري، الذي أبدع في عصر الألفية الثالثة، أو في أواخر القرن المنصرم، لقد أبدع العقل إبداعاً: فجّر الذرة، وغاص في أعماق البحار، وانطلق في أجواء الفضاء، وحول العالم كله إلى قرية صغيرة، عن طريق هذا التكتيك العلمي المذهل في عالم الاتصالات والمواصلات.

فهذا العقل لا ينبغي أن يقال له: لا اجتهاد مع النص، بل يجب على هذا العقل المبدع أن يجتهد مع النص ولو كان النص ثابتاً في القرآن، أو في سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فترى عقلاً مريضاً خبيثاً تعرض أمامه النصوص القرآنية والنبوية، فيضع بالقلم الأحمر علامات على هذا النص، ويضع بالقلم الأسود علامات خبيثة على نص آخر، وهكذا!! ويصير دين الله ويصير النص القرآني والنبوي ألعوبة بين عقول مهازيل البشر، فترى من يحكم على نص ثابت في القرآن ويقول: لا ينبغي أن يفهم إلا بالكيفية الفلانية، وذلك من خلال النظرية العلمية الحديثة المعاصرة، وترى عقلاً عفناً آخر ينكر السنة -كما نرى ونسمع كل يوم- ويلغي الأحاديث الصحيحة الثابتة في أصح الكتب بعد القرآن، بدعوى أن هذه الأحاديث تصطدم مع العقل اصطداماً مباشراً، وتصطدم مع العلم الحديث والنظريات العلمية المعاصرة.

وأنا أقول: لا ينبغي أن يفهم العلمانيون المجرمون أننا نريد أن نسقط مكانة العقل، كلا، بل إن نور الوحي لا يطمس نور العقل أبداً، بل يبارك نورُ الوحي نورَ العقل، ويزكي الوحي العقل ويحتفي به أيما احتفاء، ويلفت القرآن الأنظار إلى مكانة العقل والتعقل والتدبر في آيات كثيرة: {أَفَلا يَعْقِلُونَ} [يس:٦٨]، {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ} [النساء:٨٢]، {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا} [النمل:٦٩]، آيات وآيات وآيات: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران:١٩٠]، لكن ليس معنى ذلك أن يصبح العقل حاكماً على النص القرآني والنبوي، ائتوني بعقل يتعرف على ذات الله جل جلاله، وعلى أسمائه الحسنى وصفاته العلى، وعلى أركان ديننا وأصول إسلامنا، دون أن يرجع إلى النقل أي: إلى النص القرآني والنبوي.

ورحم الله ابن القيم إذ يقول: لا يستقل العقل دون هداية بالوحي تأصيلاً ولا تفصيلاً كالطرف دون النور ليس بمدرك حتى يراه بكرة وأصيلاً نور النبوة مثل نور الشمس للـ عين البصيرة فاتخذه دليلاً فإذا النبوة لم ينلك ضياؤها فالعقل لا يهديك قط سبيلاً طرق الهدى محدودة إلا على من أم هذا الوحي والتنزيلاً فإذا عدلت عن الطريق تعمداً فاعلم بأنك ما أردت وصولاً يا طالباً درك الهدى بالعقل دو ن النقل لن تلقى لذاك دليلاً صار العقل إلهاً يعبد من دون الله مع التحقير من شأن النص، ولو كان ثابتاً في القرآن وفي سنة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ثم تجاوزوا المرحلة الأولى من مراحل هذا المخطط الخبيث، ومن مراحل هذا الظلام الفكري والكفري الدامي إلى المرحلة الثانية ألا وهي: