أما العنصر الرابع فهو عنصرٌ قد يراه بعض الإخوة غريباً ألا وهو: يتمٌ رغم وجود الوالدين! كيف يكون ذلك؟ ألم أقل في أول الخطبة بأن ابن منظور قال في لسان العرب: بأن اليتم في اللغة أصله الانفراد، فإذا عاش الطفل منفرداً فريداً وحيداً أحس باليتم وبالغربة؛ فهو بين والد قد انشغل بتجارته وأمواله ولم يعط لولده قليلاً من الوقت، وبين أم قد انشغلت عن ولدها بالعمل تارة، أو بالضرب في الأسواق تارة أخرى، أو بالجري وراء أحدث الموضات مرة ثالثة، وتركت ولدها ووليدها ونعمة ربها التي يريدها كثير من النساء غيرها، تركت هذه النعمة في أحضان المربية، أو في أحضان الخادمة، أو في أحضان المدارس، ووالله قد يُترك هذا الطفل بين أحضان مدارس أهل الكفر، هذه المدارس التي تركز على الظاهر لإبهار الكثير من المسلمين بتعليم اللغات، وأشهد الله على منبر رسول الله لقد دخل عليَّ أحد الإخوة الكرام وهو يبكي فقال لي: أدركني وقل لي ما الحل؟ قلت: ما الذي جرى ما الذي حدث؟ قال: دخلت زوجتي على ولدي في غرفته الخاصة، فوجدت الولد يصلي كصلاة النصارى ويقول: بسم الأب والابن والروح القدس وهو مسلم، قلت: سبحان الله! وأين رأى الولد هذه الصلاة؟ هل يدخل ولدك الكنائس؟ قال: لا.
قلت: عجيب، فما الذي جعله يصلي هكذا؟ فقال: إن ولدي في مدرسة تسمى بـ (الفرنسسكان) قلت: سبحان الله! وهل يريد من زرع الشوك أن يجني الورود، محال لمن زرع الشوك أن يجني إلا الجراح، ولدك على مائدة اللئام، وتريد أن يتربى على التوحيد والإسلام!! إنه وهم، ولدك يربى على موائد اللئام وتريد أن يعود إليك موحداً وعلى علم بتوحيده وبدين الإسلام!! هذا مستحيل! الولد جوهرة غالية، ونعمة كبيرة، ودرة صافية تقبل كل شيء ينقش عليها، فإن ربي على الإسلام وعلى الخير خرج عضواً صالحاً لنفسه ولمجتمعه وسعد في الدنيا والآخرة، وإن نقشت على هذه الدرة الشر أشربت الشر، وقبلت الشر وخرج عضواً فاسداً في مجتمعه، وشقي في الدنيا والآخرة والوزر والذنب على رأس والديه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}[التحريم:٦].
فقد ينشأ الطفل بين والديه إلا أنه يحس باليتم، وبالوحشة، وبالغربة، لا يجد أباً يجلس إليه، ولا يجد أماً تأخذه في أحضانها لترضعه حنانها ورحمتها، كلا.
ورحم الله من قال:
ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلفاه ذليلا