وأختم الأسباب الداخلية بهذا السبب ألا وهو: النظرة الضيقة للزمان والمكان.
سبب خطير من أسباب الهزيمة النفسية بمعنى: ترى الشاب من أبنائنا الآن وإخواننا ينظر نظرة ضيقة جداً للمكان الذي يعيش فيه، جاءني شاب في الصيف الماضي وقال: يا شيخ! الدعوة في بلادنا ماتت، والمتبرجات كثرن، والملتزمين قلوا، وليس عندنا كتب، وتقريباً بعد خمس أو ست سنين لن يبقى عندنا ولا حافظ للقرآن، والإسلام ضاع، والدنيا ضاقت، نظرة ضيقة جداً، فيحطم اليأس قلبه، مع أنه لو نظر للمكان نظرة أوسع لعلم أن الأرض ما خلت ولن تخلو من أبناء الطائفة المنصورة التي لا يخلو منها زمان أو مكان، وليس هناك داعي للنظرة الضيقة هذه؛ حتى لا يحطم اليأس قلبك، كذلك النظرة الضيقة للزمان للتاريخ للأمة الآن ستضرب بالنعال، والأمة ذلت، والشريعة ضاعت، والإسلام ذهب، وعليه العوض، وليس هناك إسلام، نظرة ضيقة لهذا الواقع الذي نعيش فيه، فيحطم اليأس قلوبنا لما تحياه الأمة الآن من واقع مر أليم، مع أنك لو نظرت إلى التاريخ ونظرت نظرة أوسع إلى الزمان؛ لعلمت أن الأمة قد مرت بمراحل أصعب، ومع ذلك غير الله الواقع وبدل الله الحال.
انظر يا أخي! ابتداء من فتنة الردة غير الله الواقع وبدل الله الحال، ثم ابتليت الأمة بالهجمات التترية الطاحنة، وظل التتار يذبحون المسلمين في بلاد العراق أربعين يوماً، وستعجب إذا قلت لك: بأن صلاة الجماعة تعطلت من مساجد الجامعة في بغداد أربعين يوماً لا يصلي في المسجد مسلمٌ واحد، أصيب المسلمون بهزيمة نفسية، وحالة من الذعر مرعبة، اقرأ التاريخ اقرأ البداية والنهاية لـ ابن كثير، اقرأ الكامل لـ ابن الأثير، اقرأ تاريخ الطبري، سترى عجباً عجاباً، يكاد عقلك أن يقف وأنت تتابع الكلمات في الصفحات، أربعين يوماً لا تصلى صلاة الجماعات خوفاً من هجمات التتار الذين يذبحون المسلمين في الليل والنهار، ومع ذلك قيض الله عزوجل للإسلام والمسلمين من هزم التتار شر هزيمة، وغير الله الحال.
القرامطة المجرمون انقضوا على المسلمين في بيت الله الحرام فذبحوهم ذبح الخراف، بل واقتلعوا الحجر الأسود من الكعبة، وصرخ رئيسهم أبو طاهر القرمطي عليه من الله ما يستحقه والحجر بين يديه وهو يقول: أين الطير الأبابيل؟ أين الحجارة من سجيل؟ وظل الحجر بعيداً عن الكعبة (٢٢ سنة) وغير الله الحال وعاد الحجر إلى بيت الله الكبير المتعال، وطاف المسلمون ببيت الله.
الصليبيون أغلقوا بيت المقدس وعلقوا الصلبان على كل جدار من جدرانه، ومنع الصليبيون المسلمين من الصلاة في بيت المقدس (٩١ سنة) لم يصل مسلم في بيت المقدس، وغير الله الحال، وتغير الواقع، ونحن على يقين مطلق كما أننا نراكم الآن بعيوننا أن الله عز وجل سيغير الحال، وعد الله ووعد الصادق رسول الله صلى الله عليه وآله ومن والاه.
إذا عرف التاريخ أوساً وخزرجاً فلله أوس قادمون وخزرج