للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هزيمة اليهود وعد إلهي]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد: وأخيراً: أيها الأحبة! سيهزم اليهود، لا أقول ذلك رجماً بالغيب، ولا من ضغط الواقع المرير، ولا من باب الأحلام الوردية الجاهلة، ولا من باب الجهل بالواقع الذي تعيشه أمتنا ونحياه الآن بكل مآسيه، كلا! وإنما أقول ذلك من منطلق الحقائق الربانية والنبوية، فهو كلام ربنا، وكلام نبينا الصادق الذي لا ينطق عن الهوى، وتدبروا معي هذه الآية التي قرأتموها جميعاً، وسمعتموها جميعاً، لكن قل من انتبه إليها، ووقف معها ليتدبرها، ألا وهي قول الله في سورة آل عمران في حق اليهود: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} [آل عمران:١١١]، وقال سبحانه: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر:١٤]، فهذا هو كلام الخالق الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.

قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} [الأعراف:١٦٧]، وقال جل وعلا: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} [الإسراء:١٠٤]، وهاهم اليهود يأتون ألفافاً من كل بقاع الأرض ليتحقق وعد الله في آية الإسراء الأولى، {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} [الإسراء:٤ - ٧]، اللهم عجل بهذه البشارة.

تدبر معي الآيات! لتقف على هذه البشارة العظيمة، فالحق وإن انزوى كأنه مغلوب فإنه ظاهر، والباطل وإن انتفش كأنه غالب فإنه زاهق، كما قال عز وجل: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء:٨١]، وقال عز وجل: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:١٨].

تدبر معي قول رب العالمين: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا} [الإسراء:٤ - ٥]، أي: جاء وقت المرة الأولى لتدمير ما شيد اليهود {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا} [الإسراء:٥]، أي: بعث الله على اليهود عباداً له ليسوموا اليهود سوء العذاب، وقد اختلف المفسرون في تفسيرها، فقد قرأت ما يزيد على عشرين تفسيراً لهذه الآيات فوجدت أن جل المفسرين قد فسروا هذه الآيات بأن الذي سُلط على اليهود هم البابليون أو الرومان أو نبوخذ نصر فتدبرت الآيات مراراً وتكراراً، فوجدت بعض أهل العلم من المحققين قالوا: إن الله تبارك وتعالى يقول: {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا} [الإسراء:٥]، والعبودية لا تكون أبداً إلا للموحدين، كما قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} [الفرقان:٦٣]، وقال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر:٤٢]، وقال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء:١]، وقال تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [الجن:١٩]، وقال تعالى: {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة:٢٣].

إذاً: العبودية إن نسبت لله تعالى وكانت خالصة له فهي عبودية المؤمنين الصادقين؛ والبابليون وثنيون، والرومانيون وثنيون، وبختنصر وثني ليس بمسلم، فكيف يقال: إن هؤلاء تنطبق عليهم الآية؟! إذاً: من هم عباد الله الذين سلطهم الله على اليهود أول مرة؟ إنهم أصحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فهم الذين طردوا اليهود من بني النضير، ومن بني قينقاع، ومن خيبر، ومن بني قريظة، وأخرجوهم من المدينة، ثم الصحابة هم الذين دخلوا المسجد أول مرة بقيادة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه يوم ذهب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من المدينة ليستلم مفاتيح بيت المقدس بيده، وليكتب لأهل بيت المقدس من أهل إيلياء العهدة العمرية المشهورة، وقد تحدثت عنها بالتفصيل في موضع آخر.

إذاً: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم عباد الله الذين دخلوا المسجد أول مرة، وتدبر معي قول الله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ} [الإسراء:٥ - ٦]، أي: على هؤلاء العباد الذين انتصروا عليكم، وها نحن نرى الكرة قد أعيدت لليهود علينا، أي: على أبناء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الموحدين والمؤمنين، {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ} [الإسراء:٦]، أي: أمد الله اليهود بأموال، وها نحن نرى ذلك {وَبَنِينَ} [الإسراء:٦]، وها نحن نرى أبناء اليهود من كل بقاع الأرض يجتمعون، {وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} [الإسراء:٦]، والنفير نفير الحرب، وها أنتم ترون اليهود يمتلكون الآن مائتي قنبلة نووية، وتمد أمريكا اليهود بالسلاح.

ثم قال لهم ربهم سبحانه: {إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ} [الإسراء:٧]، أي: المرة الثانية والأخيرة، {لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ} [الإسراء:٧]، أي: ليسوءوا وجوهكم، والفاعل عباد الله من الموحدين والمؤمنين، {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الإسراء:٧]، اللهم عجل بهذه المرة يا أرحم الرحمين، {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} [الإسراء:٧].