روى الإمام أحمد وابن إسحاق بسند صحيح من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال:(لما قسم النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم يوم حنين: أعطى لقومه من قريش ولسائر العرب، ولم يعط الأنصار من الغنائم شيئاً، فغضب الأنصار من رسول الله، ووجد الأنصار في أنفسهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قال قائلهم: والله لقد لقي رسول الله قومه -أي: لقي رسول الله قومه فأعطاهم ونسينا- فلما سمع سعد بن عبادة الأنصاري هذه العبارة انطلق إلى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي! لقد وجد الأنصار عليك في أنفسهم.
فقال المصطفى: فيم يا سعد؟ فقال سعد: لأنك قسمت الغنائم وأعطيت قومك من قريش وأعطيت سائر العرب ولم تعط الأنصار من الغنائم شيئاً.
فقال صاحب الخلق: اجمع لي الأنصار يا سعد.
فجمع سعد بن عبادة الأنصار رضوان الله عليهم، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم على الأنصار، وقام المصطفى صلى الله عليه وسلم في الأنصار خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا معشر الأنصار! ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله، وعالة -أي: فقراء- فأغناكم الله، وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟ فسكت الأنصار، فالتفت إليهم نبينا الحبيب المختار وقال: ألا تجيبون يا معشر الأنصار؟ فقالوا: وبماذا نجيب؟ المن لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال الحبيب المصطفى: والله لو شئتم لقلتم فصدقتم: جئتنا طريداً فآويناك، وعائلاً -أي: فقيراً- فواسيناك، ومخذولاً فنصرناك، وجئتنا خائفاً فأمناك، فقال الأنصار: المن لله ولرسوله، فقال المصطفى: يا معشر الأنصار! لقد وجدتم في أنفسكم عليّ في لعاعة -أي: في شيء تافه- من أمر الدنيا تألفت بها قلوباً دخلت الإسلام حديثاً، ووكلتكم أنتم إلى ما من الله عز وجل به عليكم من الإسلام، يا معشر الأنصار! أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون أنتم برسول الله إلى رحالكم؟! يا معشر الأنصار! والله لو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار، والله لولا الهجرة لكنت رجلاً من الأنصار، فاللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار.
فبكى الأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم حتى اخضلت لحاهم، وقالوا على لسان رجل واحد لصاحب الأخلاق السامية: رضينا بالله رباً، وبرسول الله قسماً ومغنماً).
هل نستطيع في لغة البشر أن نعبر عن هذه الأخلاق من رسول الله يوم أن قال لهم.
(لولا الهجرة لكنت من الأنصار) ويوم أن كرمهم بهذا التكريم؟! لا ورب الكعبة، فلتردد معي -يا أيها المسلم- هذه الشهادة الزكية التي زكاه بها ربه وخالقه {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم:٤].
قال الشاعر: فمبلغ العلم فيه أنه بشر وأنه خير خلق الله كلهم وقال آخر: أغر عليه للنبوة خاتم من نور يلوح ويشهد وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذن أشهد وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد