[كيفية رفعه عليه السلام]
ولكن كيف رفع؟ انطلق اليهود وهم يبحثون عن نبي الله عيسى ليقتلوه، فألقى الله عز وجل شبه عيسى على يهوذا الأسخريوطي الذي دل اليهود على مكان نبي الله عيسى، فهذا قول.
القول الثاني: ورد في حديث رواه ابن أبي حاتم والنسائي من حديث ابن عباس موقوفاً عليه بسند صححه الحافظ ابن كثير في تفسيره لسورة النساء، قال: (لما أراد الله عز وجل أن يرفع عيسى إلى السماء، خرج عيسى يوماً على أصحابه وهم يجلسون في البيت، وفي البيت اثنا عشر رجلاً من الحواريين، فقال لهم نبي الله عيسى: إن منكم من يكفر بي بعد أن آمن بي، ثم قال: أيكم يقبل أن يلقى عليه شبهي ليقتل مكاني ليكون معي في درجتي في الجنة، فقام شاب من أحدثهم سناً قال: أنا يا نبي الله! فقال له عيسى: اجلس -كأنه أشفق عليه لصغر سنه- فجلس الشاب.
ثم قال عيسى قولته مرة ثانية: أيكم يقبل أن يلقى عليه شبهي ليقتل مكاني ليكون معي في درجتي في الجنة، فقام نفس الشاب، فقال له نبي الله عيسى: اجلس، فردد عيسى المقولة للمرة الثالثة، فقام نفس الشاب، فقال له عيسى: هو أنت.
يقول ابن عباس: فجاء الطلب، أي: من اليهود ليأخذوا نبي الله عيسى، فألقى الله شبهه على هذا الشاب، وألقى على عيسى سنة من النوم ثم رفعه إليه، فأخذ اليهود هذا الشاب الذي ألقي عليه الشبه، فقتلوه وصلبوه {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} [النساء:١٥٧] قال ابن عباس: فانقسم الناس فيه إلى ثلاث فرق: الفرقة الأولى قالت: كان فينا الله، أي: في الأرض -عياذاً بالله- ثم صعد إلى السماء، وهؤلاء هم اليعقوبية.
وقالت الفرقة الثانية: كان فينا ابن الله ثم رفعه أبوه إلى السماء، وهذه هي النسطورية.
ثم قالت الفرقة الثالثة: كان فينا عبد الله ورسوله، ثم رفعه الله إليه، ثم ينزله إلى الأرض إذا شاء، وهؤلاء هم الموحدون المسلمون.
يقول ابن عباس: (فقامت الفرقتان الأولى والثانية على الثالثة فقتلوا أهلها، فظل الإسلام صامتاً حتى بعث الله نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم).
فجاء الحبيب المحبوب فبين لنا كيف أن الله عز وجل قد ألقى الشبه على فلان أو فلان، وكيف أن الله عز وجل قد رفع عيسى إليه، بل وصرح القرآن بذلك، قال الله تعالى: {قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [آل عمران:٥٥] تدبر معي قول الله: (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) فهذه دارت حولها الإشكالات، والوفاة في الآية كما قال جمهور المحققين من أهل التفسير: الوفاة في الآية بمعنى النوم، والدليل على ذلك قول الله: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ} [الأنعام:٦٠] فسمى الله النوم في الليل وفاة.
وكما في كلام الحبيب المحبوب محمد صلى الله عليه وسلم، كان إذا استيقظ من نومه قال: (الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور)، فالنوم وفاة صغرى، والموت وفاة كبرى، فألقى الله على عيسى سنة من النوم، ثم رفعه إليه للحكمة الجليلة التي ذكرت، ولحكم قد لا نعلمها، يعلمها الملك جل جلاله.
أيها الأحبة الكرام: وشاء الله سبحانه أن يكون نزول عيسى عليه السلام علامة كبرى من علامات الساعة وهذا ما سوف نتعرف عليه بعد جلسة الاستراحة، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.