الصديق رضوان الله عليه ذلكم الرجل الكبير في بساطة، القوي في تواضع ورحمة، الصديق رضوان الله عليه الذي بين النبي للأمة مكانته قبل موته بأيام قليلة، يوم ارتقى النبي المنبر فحمد الله وأثنى عليه، والحديث في الصحيحين من حديث أبي سعيد ثم قال عليه الصلاة والسلام:(إن عبداً من عباد الله خيره الله بين أن يؤتيه من الدنيا ما شاء وبين ما عند الله فاختار ما عند الله)، فقام الصديق رضي الله عنه في المسجد وبكى والتفت إلى حبيبه ومصطفاه وقال: بأبي أنت وأمي -يا رسول الله- فديناك بآبائنا، فديناك بأمهاتنا، فديناك بأموالنا وأنفسنا وأولادنا، وضج الناس بالمسجد، وتعجبوا من صنيع أبي بكر وقالوا: عجباً لهذا الشيخ، الرسول يتكلم عن عبد مخير بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة، فلماذا يقول الصديق هذا؟ إلا أن الصديق -كما قال أبو سعيد - كان أفهم الصحابة لكلام النبي صلى الله عليه وسلم.
فلقد علم الصديق أن العبد المخير هو المصطفى، فقال النبي:(على رسلك يا أبا بكر.
ثم قال: أيها الناس! إن أمن الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر)، وقال:(ما نفعني مال أحد قط مثلما نفعني مال أبي بكر)، وقال:(كلكم كان له عندنا يد كافأناه بها إلا الصديق، فإنا قد تركنا مكافأته لله عز وجل)، وقال:(لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخوة وصحبة، وأمرهم في شأن الأبواب التي تطل على المسجد أن يسدوها من ذلك اليوم إلا باب أبي بكر رضي الله عنه).
وفطن العلماء إلى أن في هذه الكلمة إشارة إلى أن الباب الذي سيظل مفتوحاً بعد موت المصطفى هو باب أبي بكر رضي الله عنه، فهو أجدر الصحابة بلا نزاع ليتقدم ليسد فراغاً رهيباً يتركه المصطفى بموته بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.