(كلا إذا بلغت التراقي)، أي: إذا بلغت الروح الترقوة، (وقيل من راقٍ)، أي: من يرقى بروحه: ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ وقيل: أي: من يبذل له الرقية؟ ومن يبذل له الطب والعلاج؟ فهو صاحبُ الجاه صاحبُ الأموال صاحب السلطان صاحب الوزارة، وقد التف الأطباء حوله، بل نقل في سيارة خاصة إلى مستشفىً كبير، فالتف الأطباء من حوله: هذا متخصص في جراحة القلب، وهذا متخصص في جراحة المخ والأعصاب، وذاك في تخصص كذا، وذاك في تخصص كذا، وكلهم يريدون شيئاً، وملك الملوك قد أراد شيئاً آخر، قال عز وجل:{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ}[الأعراف:٣٤].
وقال سبحانه:{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}[النساء:٧٨].
وقال تعالى:{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ}[الأعراف:٣٤].
التف الأطباء من حوله كل يبذل له الرقية ويقدم له العلاج، ولكن حار الأطباء حوله وداروا؛ فما الذي جرى؟ وما الذي حدث؟ اصفر وجهه، وشحب لونه، وبردت أطرافه، وتجعد جلده، وبدأ يشعر بزمهرير قارس، فينظر مرة في لحظة السكرة والكربة فيرى الغرفة التي هو فيها قد صارت فضاءً موحشاً، أو تضيق عليه فتصير كخرم إبرة، أو ينظر مرة فيرى أهله يبتعدون عنه ومرة يقتربون، لقد اختلطت عليه الأمور والأوراق، فتراه يسأل: من هذا الذي عند رأسي؟! إنه يعاينه ويراه، إنه ملك الموت! ومَنْ هؤلاء الذين يتنزلون من السماء؟ إنه يراهم بعينيه! إنهم الملائكة! فيا ترى أهي ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟! ويا ترى! ماذا سيقول لي ملك الموت؟ وهل سيقول لي: يا أيتها النفس الطيبة! اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، ورب راضٍ غير غضبان، أم سيقول: يا أيتها الروح الخبيثة! اخرجي إلى سخط الله وعذابه؟! فينظر في لحظة صحوة بين السكرات والكربات فإذا وعى من حوله من أهله وأحبابه، نظر إليهم نظرة استعطاف ونظرة رجاء وأمل، وقال بلسان الحال، بل وربما بلسان المقال: يا أولادي! يا أحبابي! يا إخواني! لا تتركوني وحدي، ولا تفردوني في لحدي؛ فأنا أبوكم، وأنا الذي بنيت لكم القصور، وأنا الذي عمرت لكم الدور، وأنا الذي نميت لكم التجارة، فمن منكم يزيد في عمري ساعة أو ساعتين؟! افدوني بأموالي، افدوني بأعمالكم:{مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ}[الحاقة:٢٨ - ٢٩].