الأدلة العقلية على توحيد الربوبية كثيرة، وسأكتفي بقولين أحدهما للأعرابي الذي استشهد على وجود الله جل وعلا بكلمات عجيبة! وهو أعرابي بسيط لم يلتحق بجامعة من الجامعات، ولا بكلية من الكليات، ولكنه تخرج في جامعة الفطرة، وتربى في أحضان الطبيعة: بين سمائها وجبالها، وإبلها وحيواناتها، فسئل: ما الدليل على وجود الله؟ قال: سبحان الله! البعرة تدل على البعير، وأثر القدم يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، أفلا يدل ذلك كله على اللطيف الخبير؟!! واستشهد الإمام أحمد إمام أهل السنة والجماعة بالبيضة، فأمسك البيضة يوماً فقال: هذا حصن حصين أملس، ليس له باب ولا منفذ، ظاهره كالفضة البيضاء، وباطنه كالذهب الإبريز، فبينما هو كذلك إذ انصدع جداره، وخرج منه حيوان سميع بصير! إنها قدرة الله جل وعلا.
والأدلة العقلية كثيرة في هذا الباب.
فتوحيد الربوبية إذاً: هو الإقرار لله جل وعلا بالخلق والأمر، فلا خالق إلا الله، ولا رب إلا الله، ولا رازق إلا الله، ولا محيي إلا الله، ولا مميت إلا الله.
هذا ومن أقر بذلك كله وكفر بتوحيد الألوهية فهو مشرك؛ لأن المشركين قد أقروا لله جل وعلا بتوحيد الربوبية، وأقروا بأن الله هو الخالق وما عداه مخلوق، وبأن الله هو الرازق وما عداه مرزوق، وبأن الله هو الرب وما عداه مربوب، ولكن لما دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى توحيد الألوهية -أي: إلى إفراد الله جل وعلا بالعبادة- قالوا:{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص:٥]، فأنكروا توحيد الألوهية، فحكم الله عليهم بالشرك برغم إقرارهم بتوحيد الربوبية لله جل علا.