للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[واقع مرير في حياة الأمة]

أيها الأحبة: لن أطيل الحديث في تشخيص الواقع المرير الذي تحياه الأمة في هذه الأيام، فإن هذا الواقع معروف للصغير قبل الكبير، ومعروف للقاصي قبل الداني، فوالله إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا لما حل بالأمة لمحزونون.

أيها الأحباب! إن الناظر إلى أمة الإسلام سيبكي دماً بدل الدمع إن كان ممن يتحرق قلبه على أحوال أمته الجريحة المسكينة، فإن الأمة قد ذلت بعد عزة، وضعفت بعد قوة، وجهلت بعد علم، وأصبحت في ذيل القافلة الإنسانية بعد أن كانت تقود القافلة كلها بالأمس القريب بجدارة واقتدار.

أصبحت الأمة اليوم تتأرجح في سيرها، بل ولا تعرف طريقها الذي يجب عليها أن تسلكه وأن تسير فيه بعد أن كانت الأمة بالأمس القريب الدليل الحاذق الأرب للدروب المتشابكة في الصحراء المهلكة التي لا يهتدي للسير فيها إلا الأدلاء الأذكياء المجربون، وأصبحت الأمة الآن تتقوت على موائد الفكر الغربي بعد أن كانت الأمة بالأمس القريب منارة تهدي الحيارى والتائهين والضالين الذين أحرقهم لفح الهاجرة القاتل، وأرهقهم طول المشي في التيه والظلام.

إن كان الله جل وعلا قد وصف الأمة في القرآن بالوسطية والوسطية هي الاعتدال بتفسير النبي صلى الله عليه وسلم فإننا نرى الأمة الآن قد تركت منهج الوسطية وجنحت إلى الشرق الملحد تارة وإلى الغرب الكافر تارة أخرى.

وإذا كان الله جل وعلا قد وصف الأمة في القرآن بالخيرية فقد علل الله خيريتها بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإيمان بالله جل وعلا، ولكنك ترى الأمة الآن -إلا من رحم ربك جل وعلا من أبنائها- لا تأمر بالمنكر ولا تنهى عن المعروف، بل ويشرك بالله جل وعلا على مرأى ومسمع ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وإذا كان الله عز وجل قد وصف الأمة في القرآن بالوحدة إلا أنك ترى الأمة الآن قد تمزق شملها، وتشتت صفها، وتقسمت إلى دول بل إلى دويلات، بل وتفككت الدويلات هي الأخرى إلى أجزاء، بل وتقسمت الأجزاء من الدويلات إلى أجزاء، ووضع الاستعمار بين هذه الدويلات والجزئيات مسماراً عفناً نتناً ألا وهو مسمار الحدود، يطرق عليه الأعداء بعنف وقوة من آن لآخر لتشتعل نار الفتن بين هذه الدويلات الصغيرة التي لا تحرك ساكناً، ولم يعد يلتفت إليها الشرق الملحد أو الغرب الكافر.

لقد تحولت الأمة الآن إلى قصعة مستباحة من أذل وأخس وأحقر أمم الأرض، أصبحت الأمة الآن قصعة مستباحة لإخوان القردة والخنازير للصرب المجرمين للملحدين الشيوعيين لعباد البقر الأنجاس.

لقد أذل الله الأمة الآن لمن كتب الله عليهم الذل والذلة والمهانة! وأنا أتساءل دوماً وكثيراً وأقول: هل رأيتم أذل ممن أذله الله للأذل؟ لا والله، ولا أريد أن أفصل في تشخيص الداء فإنه معلوم، والسؤال الآن: ما الذي أوصل الأمة إلى هذا الحال وإلى هذا الواقع المرير؟ والجواب -أيها الأحبة- في آية واحدة محكمة من كتاب الله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:١١].

والله لقد غيرت الأمة وبدلت بدلت في جانب العقيدة في جانب العبادة في جانب التشريع، بل تجرأت وتحدت ربها جل وعلا، ونحت شريعة نبيها، وحكمت في الأعراض والأموال والفروج القوانين الوضعية والمناهج الأرضية من صنع المهازيل من البشر من الملحدين والشيوعيين والديمقراطيين والعلمانيين والساقطين بل والتافهين، ممن قال عنهم المصطفى في حديثه الصحيح الذي رواه أحمد وغيره: (يأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة، قيل: ومن الرويبضة يا رسول الله؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة) ووالله لقد تكلم التافهون لا في أمر العوام بل في أمر دين الله جل وعلا وشريعة النبي عليه الصلاة والسلام.

أيها الأحبة: لقد غيرت الأمة وبدلت في كل جانب من الجوانب إلا من رحم ربك جل وعلا، وما هذا الواقع المرير الذي أراه إلا عدلاً من الله جل وعلا إذ إن الله لا يحابي أحداً من الخلق بحال مهما ادعى لنفسه من مقومات المحاباة.

أيها الأحبة! لقد شخص النبي صلى الله عليه وسلم الداء في كلمات بسيطة، وحدد لهذا الداء الدواء، فلم يترك النبي صلى الله عليه وسلم الداء والدواء لأي داعية من الدعاة ليحدده على حسب نظرته أو على حسب هواه، بل حدد الداء في حديثه الصحيح الذي رواه أبو داود من حديث ثوبان رضي الله عنه: (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: كلا، ولكنكم يومئذ كثير، ولكن غثاء كغثاء السيل، وليوشكن الله أن ينزع المهابة من قلوب عدوكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قيل: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت) هذا هو الداء.

ولقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم الداء في حديث آخر رواه أحمد وأبو داود من حديث ابن عمر وصححه الألباني وغيره، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة) والعينة نوع من أنواع البيوع الربوية المحرمة ولا مجال للتفصيل في هذا البيع الآن.

قال: (إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، وتبعتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم).

يوم أن حرفت الأمة الإيمان بالله ونخر الفكر الغربي في جسد الأمة، وشوهت العقيدة الصافية، ودنس صفاؤها وعكر نقاؤها، وانحرفت الأمة عن المعتقد الصحيح، وعن حقيقة الإيمان التي قال عنها علماؤنا: قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان، وانطلقت الأمة لتستغيث بغير الله، ولتستعين بالشرق الملحد والغرب الكافر، ولتذبح لغير الله، ولتقدم النذور لغير الله، ولتسأل الأموات من دون الله، بل ولتنحي شريعة الله جل وعلا، ووقعت في شرك مظلم معتم إلا من رحم ربك جل وعلا، وتركت بعد ذلك الجهاد في سبيل الله، وأخلدت إلى الوحل والطين، وعاش المسئولون في هذه الأمة يعبدون العروش والكروش والقروش، وبذلوا كل ما يملكون حتى العقيدة من أجل الحفاظ على هذا الكرسي الزائل والمنصب الفاني، ومن أجل إرضاء السادة والكبراء الذين أجلسوهم على هذه الكراسي، ولعبوا بهم من وراء الكواليس كلعبة العرائس أو الدمى على مسرح يتلهى به الساقطون والسذج والرعاع.

أيها الإخوة! لما أخلدت الأمة إلى الأرض وتركت الجهاد في سبيل الله سلط الله عليها إخوان القردة والخنازير، والصرب الكفرة المجرمين، والشيوعيين الملحدين، وعبدة البقر والفئران المجرمين في كشمير، وهأنتم ترون الصورة بهذا الواقع المرير، وبهذا الظلام، نسأل الله جل وعلا أن يسعد قلوبنا وإياكم بنصرة الإسلام وعز المسلمين، و {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:١١].

أيها المسلمون! واقع مرير، ولا خروج من هذا الواقع المرير الذي تحياه الأمة الآن إلا إذا رفعت الأمة من جديد راية ذروة سنام الإسلام، راية الجهاد في سبيل الله، والله لقد تمنيت من كل قلبي أن لو أسمعت هذا الموضوع وهذه الخطبة لكل مسئول في هذه الأمة، لا أقول لمسئولينا في مصرنا -أسأل الله أن يحفظها- وإنما تمنيت أن لو أسمعت هذا لكل مسئولي هذه الأمة الذين يتعرضون الآن للذل والمهانة من قبل أعداء الله جل وعلا، ولو فطنوا إلى أن الشباب الذين أعلنت عليهم الحرب اليوم هم القوة الرادعة لأعداء الله جل وعلا لاحتضنوا هؤلاء الشباب، ولوضعوهم في القلوب، وأطبقوا عليهم العيون، فإنه إذا جد الجد وحمي الوطيس فهم أسوده.

أيها الأخيار! ها نحن نرى اليهود يتلاعبون بالأمة كلها، بل وبالعالم كله، وما أخبار المفاعل النووي في (ديمونة) من أحد ببعيد.

وها نحن نسمع الآن وزير خارجيتنا يصرح بتصريحات جريئة بل وخطيرة، ولو علم الحكام قوة هؤلاء الشباب الذين يتشوقون للجهاد في سبيل الله لوضعوا هؤلاء الشباب في القلوب ولفتحوا الباب على مصراعيه لشباب توضأ لله جل وعلا، وقام الليل يتضرع إلى الله أن يرفع الله علم الجهاد، ليقوم هؤلاء ليسدوا بصدورهم فوهات مدافع أعداء الله جل وعلا.

أيها الأحبة! لا عز لهذه الأمة إلا بالجهاد، وأنا أعلم علم اليقين أن الحديث عن الجهاد أصبح جريمة، ويقابل بتعسف شديد وباستنكار، بل وأصبح الحديث عن الجهاد تهمة يؤخذ عليها بالنواصي والأقدام، لكن تمنيت أن لو فهم الحكام حقيقة الجهاد الذي أنادي به الآن، فأنا ما قصدت به التطرف؛ لأن إعلامنا العميل قد شوه الصورة فهو متخبط في قلب الحقائق وتشويه الصور، فقد شوه الإعلام صورة الجهاد، وطمس الصورة المشرقة للجهاد، وخلط بينما يسميه بالإرهاب والتطرف.

إلى آخر مسمياتهم، بل وخلط الإعلام بين هذه الصورة وبين الصورة المشرقة للجهاد في سبيل الله ضد أعداء الله من الكافرين والمنافقين.

أيها الأحباب! لا بد أن يعي الحكام حقيقة الجهاد حتى لا يصبح الجهاد بعبعاً يخشونه الحكام في كل بلد من بلاد المسلمين، يخشون من مجرد سيرته أو من مجرد الحديث عنه، لأن القائمين على الإعلام قد قلبوا الحقائق وشوهوا الصور.