للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مصادر التربية الإسلامية وأهمية الرجوع إليها]

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: أحبتي في الله! هذا هو لقاؤنا الثاني مع أصول التربية في سورة لقمان، وقد ذكرت في اللقاء الماضي أنني سأستهل هذا الموضوع الهام الكبير بمقدمة عامة في أصول التربية، وقد تحتاج منا هذه المقدمة إلى أكثر من لقاء، وجعلت أول عناصر هذه المقدمة هو أسباب اختياري لهذا الموضوع، وذكرت ثلاثة أسباب: الأول: الانفصام بين المنهج والواقع.

الثاني: الذوبان في بوتقة المناهج التربوية الغربية الدخيلة على عقيدتنا وديننا.

أما السبب الثالث فهو: هذه الصحوة الإسلامية الكريمة المباركة التي بدأت تتنزل بفضل من الله جل وعلا في كل بقاع الدنيا كتنزل حبات الندى على الزهرة الظمأى والأرض العطشى، أو كنسمات ربيع باردة عطرتها وطيبتها أنفاس الزهور، وهذه الصحوة من أجل أن تكون قوية بناءة مثمرة راشدة، فإنها في أمس الحاجة إلى منهج تربوي أصيل منبثق من القرآن والسنة بفهم سلف الأمة حتى لا يضيع جهد هذه الصحوة سدى كما يضيع ماء الأمطار بين الوديان والشعاب.

وها نحن اليوم بإذن الله جل وعلا على موعد مع اللقاء الثاني من لقاءات المقدمة لأصول التربية في سورة لقمان، وحديثنا اليوم عن مصادر التربية في الإسلام.

وأعيروني القلوب والأسماع أيها الخيار الكرام! فإن طبيعة هذه الموضوعات المنهجية تحتاج إلى تركيز شديد، ومتابعة مركزة، لاسيما وقد اشتكى إلي كثير من الأحبة صعوبة الطرح في اللقاء الماضي، فأسأل الله جل وعلا أن ييسر لنا الأسباب، وأن يذلل لنا الصعاب، وأن يفتح لنا أبواب علمه وفضله وخيره، إنه حليم كريم وهاب.

أحبتي في الله! إن مصادر التربية الإسلامية هي: القرآن الكريم، والسنة المطهرة، ومنهج السلف باعتباره يمثل التطبيق العملي للقرآن والسنة، والله ما انتكست الأمة المسلمة هذه الانتكاسة الخطيرة في عقيدتها وأخلاقها وسلوكها ومعاملاتها إلا يوم أن تخلت عن هذه المنابع الصافية الطاهرة، وراحت تستقي من معين الحضارة الشرقية الملحدة تارة، ومن معين الحضارة الغربية الكافرة تارة أخرى، دونما تفريق بين الحضارة الصناعية والعلمية، والحضارة التربوية والمنهجية والأخلاقية! وقد آن الأوان وحان الوقت لاسيما بعدما انتقلت الأمة بفضل الله جل وعلا، ثم بفضل هذه الصحوة من مرحلة أزمة الوعي إلى مرحلة وعي الأزمة، حان الوقت وآن الأوان ليتخلص مخططو وواضعو المناهج التربوية لأبنائنا وشبابنا في شتى المجالات، وشتى مناحي وفروع ومراحل التعليم، من عقدة النقص أمام المناهج التربوية الدخيلة على عقيدتنا وديننا؛ لأننا بكل ثقة نملك المنهج التربوي الفذ الفريد المتكامل لكل جزئيات الحياة؛ لأننا نحمل الإسلام، والإسلام وحده هو الذي يملك المنهج المتكامل الوحيد الذي يرتقي بالبشرية إلى ذروة المجد والعلا، وإلى واحة السعادة والهناء في الدنيا والآخرة، وها هو الإسلام ما زال شامخاً يعرض منهجه كمخلص للإنسانية كلها من هذا التيه، والضنك، والركام، بعد أن أحرقها لفح الهاجرة القاتل، وأضناها طول المشي في التيه والضلال، ها هو الإسلام يعرض نفسه ومنهجه كمخلص للبشرية كلها؛ لأنه ابتداء وانتهاء منهج الله خالق الإنسان، الذي قال وقوله الحق: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤].