يزداد الأمر خطراً إذا علمنا أن من أهم خصائص الوقت: أنه يمر مر السحاب، ويجري جري الرياح، فدنياك مهما طالت فهي قصيرة، ومهما عظمت فهي حقيرة؛ لأن الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر، ولأن العمر مهما طال لابد من دخول القبر، فالأيام تمر ونحن في غفلة، الأيام تمر والأشهر تجري وراءها، وتسحب معها السنين، وتجر خلفها الأعمار، وتطوى حياة جيلٍ بعد جيل.
وبين يدي الملك الجليل سيعلم الذين خسروا أنفسهم وضيعوا أوقاتهم وأعمارهم أنهم ما لبثوا في هذه الدنيا إلا ساعة إلا يوماً أو بعض يوم، {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ * وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ}[المؤمنون:١١٢ - ١١٨] ومن أهم خصائص الوقت: أنه ما مضى منه لا يعود أبداً ولا يعوض.
أتحداك أن تسترد اليوم الذي فات، لقد انتهى اليوم.
كان الحسن البصري رحمه الله يقول: ما من يوم ينشق فجره إلا وهو ينادي بلسان الحال: يابن آدم! أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد؛ فاغتنمي فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
ومع أن الوقت أيها الأخيار هو أغلى وأثمن ما يملكه الإنسان، فإننا نرى كثيراً من إخواننا يقتلون الوقت قتلاً، ويضيعون العمر تضييعاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله، بل ولا يقفون على خطر العوائق التي تحول بينهم وبين الاستفادة من أوقاتهم وأعمارهم.