[صفة وجهه صلى الله عليه وسلم]
نبدأ بوجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أخي الحبيب! عش معي بروحك وقلبك لعل الله أن يجعلنا نعايشه بأرواحنا وقلوبنا وأبداننا.
صفة وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ورد فيه الحديث الذي رواه الإمام البخاري من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه يقول: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهاً، وأحسن الناس خلقاً، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير).
لن نقف الآن عند الطول والقصر ولكن سنقف عند وجهه صلى الله عليه وآله وسلم.
(كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهاً) يعني: كان وجه الحبيب مشرقاً منيراً.
ابن عباس يقول: (إن للحسنة نوراً في الوجه)، هذا في الرجل العابد عندما يقوم بفعل طاعة، وبفعل حسنة؛ يكون له نور في وجهه وإشراقة، وكأن عليه مسحة من النور والضياء.
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (نضر الله امرأً سمع مقالتي فحفظها -أو فوعاها- وبلغها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع) يعني: تبقى هناك نضرة على وجه الطائع، والنضرة: هي الإشراقة والنور.
ومستحيل أن يكون وجه الطائع الذاكر الزاكي كوجه العاصي المذنب الذي يتجرأ على الله بالمعاصي في الليل والنهار، محال ورب الكعبة! انظر إلى وجه قسيس يحمل لحية كثة، وإلى وجه موحد يحمل لحية ولو كانت قليلة، سترى الفارق الكبير بين وجه تعفر في التراب ذلاً لله، وبين وجه تجرأ على ملك الملوك جل وعلا بالمعصية في الليل والنهار، فما بالك بوجه الحبيب الذي فطره الله على التوحيد وجبله الله على الطاعة؟! بل وأكرمه وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فلذلك كان وجه الحبيب صلى الله عليه وسلم أحسن الوجوه.
وفي صحيح البخاري أيضاً: (كان صلى الله عليه وسلم إذا سر -أي: فرح- استنار وجهه كأنه قطعة قمر) سنعيش في هذه الليلة مع الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم، اللهم اجمعنا به في الجنة.
وأخرج الدارمي والبيهقي عن جابر بن سمرة -والحديث حسن بشواهده- قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة أضحيان -أي: في ليلة مقمرة- فجعلت أنظر إلى النبي وأنظر إلى القمر، وأنظر إلى النبي وأنظر إلى القمر، وأنظر إلى النبي وأنظر إلى القمر، ثم قال رضي الله عنه: فوالله لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في عيني أحسن من القمر) إي والله! لأن القلوب امتلأت بحب الحبيب صلى الله عليه وسلم، كانت قلوب طاهرة وأوعية نقية ملئت بحب الحبيب.
يا أخي! ما كان الواحد فيهم يصبر على أن يمر اليوم ولم ينظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بعض الناس لما يخطب فتاة ويتعلق قلبه بها تراه كل يوم يريد أن يرى محبوبته، فما ظنك بهؤلاء الذين ملأ قلوبهم حب الحبيب صلى الله عليه وسلم، كان الواحد منهم يكون في البيت قاعداً مع زوجته ومع أولاده، ثم ما يلبث أن يتذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيلبس ملابسه ويقوم خارجاً، فتقول له زوجته: إلى أين؟ فيقول: أريد أن أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقد تاقت نفسي لرؤيته، ويذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: (يا رسول الله! إذا كنت في بيتي فتذكرتك لا أصبر حتى آتي لأنظر إليك، وتذكرت موتك يا رسول الله! وعلمت أنك إذا مت رفعت في الجنة مع النبيين، وخشيت أني إذا دخلت أن أكون في منزلة أقل فلا أراك، فنزل قول الله جل وعلا: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا} [النساء:٦٩]) الله أكبر! لا تخف إذا أطعت الله وأطعت الرسول فستكون معه في الجنة.
ففي حديث أنس الذي في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يحشر المرء مع من أحب)، وكان أنس بن مالك يقول: (اللهم إنك تعلم أني أحب رسولك وأحب أبا بكر، وأحب عمر؛ فاحشرني معهم وإن لم أعمل بعملهم) الله أكبر! احشرني مع هؤلاء وإن كانت أعمالي ليست مثل أعمالهم، ولكن بحبي له صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا} [النساء:٦٩] هل تستنكر على الصحابة أن امتلأت قلوبهم بحب الحبيب صلى الله عليه وسلم؟!! جذع النخلة يحن ويبكي لفراق الحبيب صلى الله عليه وسلم! وذلك عندما صنع له منبر من ثلاث درجات، ليراه الناس حين الخطبة، فلما صعد النبي عليه الصلاة والسلام على المنبر، وترك الجذع الذي كان يستند عليه بكى الجذع؛ لفراق رسول الله! إي والله يا إخوة! والحديث في الصحيح، تخيلوا حتى الجذع يعرف النبي صلى الله عليه وسلم، والحجارة أيضاً تعرفه صلى الله عليه وسلم كما في الحديث: (أحد جبل يحبنا ونحبه) الله أكبر!! حتى الحجارة؟! نعم.
قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج:١٨].
إذاً: الحجارة وغيرها من الجمادات تعرف رب العزة وتوحده، انظر إلى السماء وارتفاعها، انظر إلى الأرض واتساعها، انظر إلى الجبال وعظمها، انظر إلى الأفلاك ودورانها، انظر إلى كل ما هو متحرك وإلى كل ما هو ساكن، والله إن الكل يقر بتوحيد الله، ويعلن الخضوع لله، ولا يغفل عن ذكر مولاه إلا كفرة الإنس والجن.
كل شيء في الكون يعرف رب العزة، ويعرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ورد في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: (والله إني لأعرف حجراً بمكة كنت إذا مررت عليه سلم علي قبل البعثة وقال: السلام عليك يا رسول الله) الله أكبر! الحجارة أحبت الحبيب، وكل المخلوقات إلا كفرة الإنس والجن.
المؤمن العادي يحبه الله تعالى ويحببه إلى عباده المؤمنين كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أحب الله عبداً نادى جبريل وقال: يا جبريل! إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء: يا أهل السماء! إن الله يحب فلان بن فلان فأحبوه، فيحبه أهل السماء)، فمن أحبه الله يكون محبوباً في السماء، ومعروفاً عند أهل السماء.
كذلك من أحبه الله ذكره في الملأ الأعلى، النبي عليه الصلاة والسلام أمره الله أن يقرأ سورة البينة على أبي بن كعب، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي وقال له: (يا أبي! قال: نعم يا رسول الله! قال: لقد أمرني ربي أن أقرأ عليك سورة البينة، فنظر أبي إلى رسول الله، وقال: يا رسول الله! وهل سماني باسمي؟! قال: نعم، فبكى أبي، يقول بعض الصحابة: والله ما علمنا أن الفرح يبكي إلا من يومها! بكى من الفرح)، (يا جبريل! إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل وينادي: يا أهل السماء! إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء)، ولم يكتف بذلك، بل يقوم جبريل وينزل إلى الأرض وينادي: (يا أهل الأرض! إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل الأرض)، وفي رواية: (فيوضع له القبول في الأرض) اللهم اجعلنا وإياكم ممن يوضع له القبول في الأرض.
أحد الشباب قال لي: هل أهل الأرض كلهم يحبونه؟! قلت له: لا، يقول سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم:٩٦] قال ابن عباس: وداً أي: محبة في قلوب عباده المؤمنين، هل تريد من المنافقين وأهل المعاصي أن يحبوا أهل الإيمان؟! لا، ما يبغض المؤمن إلا منافق.
إذا سمعت شخصاً يصرح ببغض المؤمن التقي الورع الصالح فاعلم أنه من أهل النفاق والعياذ بالله؛ لأنه لا يبغض أهل الإيمان إلا أهل النفاق، أعاذنا الله وإياكم من النفاق، وجعلنا الله وإياكم من أهل الإيمان والتوحيد.
فالمؤمن الله عز وجل يحبه، ويحببه إلى عباده، فكيف يكون حال الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم؟! فسيدنا جابر يقول: (فجعلت أنظر إلى النبي وأنظر إلى القمر فوالله لقد كان النبي عندي أحسن من القمر).
وأخرج مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أيضاً قال: (كان وجه رسول الله كالشمس مستديراً) وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم مدور مشرق عليه الصلاة والسلام.
وأخرج الدارمي والبيهقي والطبراني وأبو نعيم والحديث حسن بالشواهد من حديث الربيع بنت معوذ رضي الله عنها أنه قيل لها: صفي لنا رسول الله فقالت: لو رأيت النبي صلى الله عليه وسلم لقلت: إن الشمس طالعة! الله أكبر! وصفته رضي الله عنها كلمتين مختصرتين، يعني: لو رأيت النبي صلى الله عليه وسلم لقلت: إن الشمس أشرقت علينا بنورها وضيائها، وصف جامع مانع.
أما لون وجهه صلى الله عليه وسلم فقد وصفه لنا الصحابة رضوان الله عليهم بقولهم: كان وجه النبي صلى الله عليه وسلم أزهر اللون، يعني: كان وجه النبي صلى الله عليه وسلم أبيض اللون مشرب بحمرة، وأظن أنه يوجد الآن منا من رأى الحبيب صلى الله عليه وسلم في المنام، وقد قال: (من رآني في المنام فقد رآني حقاً، فإن الشيطان لا يتمثل بي) أسأل الله أن يمتعنا برؤيته وإياكم في الدنيا والآخرة.