جاء ماعز بن مالك بنفسه على قدميه إلى الحبيب المصطفى ليقول: يا رسول الله! طهرني.
والعلمانيون يقولون: انظروا إلى الإسلام المتعطش للدماء، انظروا إلى الإسلام المتعطش لإقامة الحدود، انظروا إلى الوحشية، انظروا إلى البربرية! كما يتغنى بذلك أهل العلمنة أذناب الشرق الملحد والغرب الكافر، لقد جاء الرجل بنفسه وهو يقول: يا رسول الله! طهرني، والحبيب المصطفى يقول:(ويحك ارجع استغفر الله وتب إليه)، لم يقم النبي عليه الحد، لم يقل النبي: امسكوه قبل أن يهرب.
كلا كلا، الإسلام دين الرحمة، الإسلام أخبرنا أن الله أدخل بغية زانية الجنة؛ لأنها رحمت كلباً فسقته الماء، ويخبرنا الإسلام أن امرأة دخلت النار لأنها حبست هرة ومنعت عنها الطعام والماء، الإسلام دين الرحمة والشفقة حتى في الكلاب وفي القطط وفي الطيور وسائر الحيوانات، الإسلام ما كان ولن يكون ديناً متعطشاً للدماء كما يتغنى بذلك أهل الشرق وأهل الغرب لا والله، بل اسألوا الإسلام عن الأمان، اسألوا الإسلام عن الأمن، اسألوا الإسلام عن الرحمة، اسألوا الإسلام عن الشفقة، اسألوا الإسلام عن العفو، اسألوا الإسلام عن الكرم، بل اسألوا اليهود والنصارى الذين عاشوا في كنف الإسلام سنوات طوال، اسألوهم عن رحمة الإسلام، وعن عظمة الإسلام، وعن شفقة الإسلام؛ لتعلموا علم اليقين أن النبي عليه الصلاة والسلام ما بعث بهذا الدين إلا كما قال:(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
قال له النبي:(ويحك! ارجع استغفر الله وتب إليه)، فرجع ماعز غير بعيد، ثم جاء مرة ثانية وقال: يا رسول الله! طهرني.
قلبه يعتصر، هو لا يخالف رسول الله، وإنما يريد أن يطهر نفسه بين يدي الله جل وعلا الذي سمعه ورآه، قلوب حية تغلي من شدة الخوف من الله جل وعلا، فقال له النبي للمرة الثانية:(ويحك ارجع استغفر الله وتب إليه)، فرجع ماعز بن مالك غير بعيد، ثم جاء إلى المصطفى للمرة الثالثة وقال: يا رسول الله! طهرني.
فقال المصطفى:(ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه)، فرجع ماعز غير بعيد، ثم جاء في المرة الرابعة فقال: يا رسول الله! طهرني.
قال:(ممّ أطهرك يا ماعز؟ قال: من الزنا.
فسأل النبي أصحابه: أبه جنون؟ قالوا: لا يا رسول الله، ليس مجنوناً.
قال: أو شرب الخمر فلعبت الخمر برأسه؟ فقام أحد الصحابة فاستنكهه -أي: شم رائحة فمه- فقال: لا يا رسول الله، لم يشرب خمراً.
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به فرجم، وبعد يومين أو ثلاثة عاد المصطفى إلى المجلس وقال: استغفروا لأخيكم ماعز بن مالك، فقال الصحابة: غفر الله لـ ماعز بن مالك فقال المصطفى: والذي نفسي بيده لقد تاب توبة لو قسمت على أمة لوسعتهم).