للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الدليل الأول: قوله تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك)]

وهي قول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب:٥٩] قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهل تعرف المرأة إلا من وجهها؟ انتبهوا معي أيها الأحبة، وانتبهن معي أيتها الفضليات؛ لنتعرف على هذه الآية، وعلى ما تحمله من أحكامٍ عظيمة غابت عن كثيرٍ من المسلمين والمسلمات: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:٥٩] إذاً: الأمر هنا من الله جل وعلا لزوجات النبي الطاهرات، وبنات النبي العفيفات، ونساء المؤمنين الصالحات القانتات، ليس الأمر هنا خاص بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم وحدهن كما هو واضحٌ بمنطوق الآية ومفهومها أيضاً.

قال شيخ المفسرين الإمام ابن جرير الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير آية الإدناء، واحفظوا هذا القول لـ ابن عباس رضي الله عنه؛ لأنه قد افتري عليه قولٌ آخر، وقد ادعي عليه ما لم يقله وهو بريءٌ منه كما سنرى بالأدلة وبطرق أهل الحديث إن شاء الله جل وعلا، قال: [أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن لحاجةٍ أن يغطين وجوههن من فوق رءوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة] أي: لتتعرف بها على الطريق.

ويقوي هذا الإسناد ما صح عن ابن سيرين رحمه الله تعالى عن عبيدة السلماني، وعبيدة السلماني هو التابعي الجليل الفقيه العلم الذي آمن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم ينزل المدينة إلا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يزل عبيدة السلماني بـ المدينة حتى توفاه الله جل وعلا، وأنا تعمدت أن أقول ذلك لتعلم أنه إن فسر عبيدة السلماني آية الإدناء تفسيراً عملياً، فإنما هو يوضح حال نساء أصحاب النبي رضي الله عنهن جميعاً، ويوضح ما كان عليه النساء في عهد الصحابة رضي الله عنهم، يقول ابن سيرين: سألت عبيدة السلماني عن معنى آية الإدناء وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:٥٩] فقال عبيدة بثوبه هكذا، فغطى وجهه بثوبه، وأبرز بثوبه عن إحدى عينيه، توضيحٌ عملي من تابعيٍ جليلٍ عاش في المدينة المنورة من عهد عمر بن الخطاب إلى أن مات رحمه الله.

فقال بثوبه هكذا، فغطى رأسه ووجهه بثوبه وأبرز الثوب عن إحدى عينيه، تفسيرٌ عملي لآية الإدناء، ووالله إنه من أعظم الأدلة من تابعيٍ رأى ما كان عليه النساء في عهد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:٥٩].

وقال الإمام الفخر الرازي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: وفي هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورةٌ بستر وجهها عن الأجانب، وإظهار الستر والعفاف إذا خرجت لحاجة حتى لا يطمع أهل الريب فيها.

من العلماء من يقول: بأن الصحابيات رضي الله عنهن كنّ يخرجن كاشفات الوجوه، وهذا والله بهتانٌ عظيم؛ لأن الوجه أيها الأحبة هو أصل الجمال في المرأة، وأنا أسألك: بالله عليك أيها المسلم المنصف، لا أريد منك جواباً وإنما أريدك أن تجيب أنتَ بنفسك على نفسك في جلسة صدقٍ ولحظة صدقٍ مع الله جل وعلا: أسألك بالله لو أن شاباً تقدم لخطبة فتاة، وقيل له لن ترى الفتاة إلا في صورةٍ من الصورتين، فقال الشاب ما هما: قالوا: الصورة الأولى: أن تخرج الفتاة في كل زينتها وقد غطت وجهها أي: غطت بدنها بالثياب، وغطت وجهها، إلا أنها من تحت هذه الثياب، ومن تحت هذا الغطاء وضعت كل ما يمكن أن تضعه المرأة من زينة سبحان الله!! وماذا استفاد هذا المسلم؟ إذاً ما رأى شيئاً وما استفاد من تلك الزينة شيئاً.

الصورة الثانية قالوا: أن تقف لك الفتاة من خلف نافذة، وتنظر لك بوجه مبتسم وقد يتغطى كل البدن من خلف جدار هذه النافذة، بشرط أن تظهر الوجه فقط، فبالله عليك ماذا يختار الشاب؟ هل يختار الحالة الأولى التي خرجت إليه المرأة في كل زينتها وقد تغطت من قمة رأسها إلى أخمص قدميها وغطت وجهها؟ أم أنه يريد أن ينظر إلى الوجه؛ لأنه هو عنوان الجمال الخلقي في الإنسان، ومن خلاله يستطيع الإنسان أن يتبين الجمال أو القبح، والدمامة أو النضارة فيقول بالمنطق -وهذا لا يحتاج إلى دليل- يقول: لا.

أريد الصورة الثانية، والحالة الثانية، ألا وهي أن ينظر إلى وجه المرأة ليتعرف من خلال وجهها على جمالها، وقبحها، أو دمامتها، وهذا لا يحتاج إلى دليل، وإن كل منصفٍ لم يمت إنصافه في قلبه -فيعمى بذلك قلبه وعقله- سيقول هذا.

إذاً أيها الأحباب: الله تبارك وتعالى هنا يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأمر زوجاته وبناته ونساء المؤمنين جميعاً بالحجاب الساتر لجميع الجسم، ومن العلماء من قال: بأن الحكم هنا خاص بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم، قلتُ: سبحان الله! كيف يكون الحكم خاصاً بزوجات النبي والله تبارك وتعالى يقول في نفس الآية: {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:٥٩]، ويقول العلامة الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: وفي الآية قرينةٌ واضحة ٌعلى وجوب ستر الوجه، ما هي هذه القرينة؟ يقول: هي قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} [الأحزاب:٥٩] ومعلومٌ أن وجوب احتجاب زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وسترهن لوجوههن أمرٌ لا نزاع فيه بين المسلمين، فكيف تستقيم دعوى الخصوصية لنساء النبي وحدهن والله تعالى يقول في الآية: {وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:٥٩] وهذا واضح.

وأكتفي بذلك القدر في هذه الآية؛ لأن الموضوع طويل.