[أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فحيا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وزكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور، وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم وتبوأتم منزلاً من الجنة، وأسأل الله جل وعلا أن يتقبل مني وإياكم جميعاً صالح الأعمال، وأن يجمعنا في هذه الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ومستقر رحمته؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أحبتي في الله! ففروا إلى الله!! هذا هو عنوان محاضرتنا في هذه الليلة الكريمة المباركة، وحتى لا ينسحب بساط الوقت من تحت أقدامنا سريعاً، فسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم في العناصر التالية: أولاً: سفينة واحدة.
ثانياً: انتكاس الفطرة.
ثالثاً: عقاب إلهي.
وأخيراً: لا ملجأ من الله إلا إليه.
فأعيروني القلوب والأسماع فإن هذا اللقاء من الأهمية بمكان، وأسأل الله جل وعلا أن يتقبل مني وإياكم صالح الأعمال، وأن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، فأولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولو الألباب.
أولاً: سفينة واحدة: أيها الأحبة! نحن جميعاً ركاب سفينة واحدة، إن نجت نجونا، وإن هلكت هلكنا جميعاً، ولقد جسَّد النبي صلى الله عليه وآله سلم هذه الحقيقة في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري من حديث النعمان بن بشير، أنه صلى الله عليه وسلم قال: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً حتى لا نؤذي من فوقنا، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: فإن يتركوهم وما أردوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً).
وهذا مثل دقيق يضربه المصطفى صلى الله عليه وسلم لأبناء المجتمع الواحد، فهذا المجتمع كالسفينة، إن لم يوجد في هذا المجتمع أهل الصلاح الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فإن الهلاك سيصيب الجميع، وإن السفينة ستغرق بالجميع، ولن يفرق الهلاك ساعتها بين الصالحين والطالحين.
وفرق بين المصلح والصالح، فلابد من وجود المصلحين الذين يأخذون على أيدي السفهاء الساقطين والواقعين في حدود رب الأرض والسماء جل وعلا.
لابد أن تكون هناك فئة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر لا تأخذها في الله لومة لائم، تبين هذه الفئة المصلحة الصادقة الحق والباطل؛ حتى لا يعم الله الجميع بعقاب من عنده.
أيها الأحبة! هذه الفئة المصلحة سبب من أسباب نجاة المجتمع من الإهلاك العام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل الإنكار فرض عين على كل مسلم وإن اختلفت مراتبه ودرجاته، إلا أنه لابد من أن تبقى درجة من درجات الإنكار فرض عين على كل مسلم لا يعذر منها إن تركها على الإطلاق؛ فلقد ثبت عند مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).