وأخيراً: متى سنتوب؟ وا أسفاه إن دعينا إلى التوبة وما أجبنا بعدما تعرفنا على خطر الذنوب والمعاصي! وا أسفاه إن دعينا إلى التوبة وما أجبنا! وا حسرتاه إن دعينا إلى الأوبة وما أنبنا! يا نادماً على ذنوبك أين أثر ندمك؟ آه! أين أثر ندمك؟ أين بكاؤك على زلة قدمك؟ أين بكاؤك على جرأتك على المعاصي والذنوب؟ أين حياؤك من علام الغيوب؟ قال الشاعر: إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفي عليه يغيب لقي الفضيل بن عياض رجلاً، فقال له الفضيل: يا أخي! كم عمرك؟ قال: ستون سنة، قال الفضيل: إذاً: أنت منذ ستين سنة تسير إلى الله، يوشك أن تصل، فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون.
قال الفضيل: يا أخي! هل تعرف معناها؟ قال: نعم، أني لله عبد، وأني إليه راجع، قال الفضيل: يا أخي! فمن عرف أنه لله عبد وأنه إليه راجع، فليعلم أنه موقوف بين يديه، ومن عرف أنه موقوف بين يديه فليعرف أنه مسئول، ومن عرف أنه مسئول بين يديه فليعد للسؤال جواباً، فبكى الرجل وقال: يا فضيل! وما الحيلة؟ قال الفضيل: يسيرة، قال: ما هي يرحمك الله؟ قال الفضيل: اتق الله فيما بقي من عمرك يغفر الله لك ما قد مضى وما قد بقي من عمرك.
قال الشاعر: أيا من يدعي الفهم إلى كم يا أخا الوهم تعب الذنب بالذنب وتحطي الخطأ الجم أما نادى بك الموت أما أسمعك الصوت أما تخشى من الفوت فتحتاط وتهتم فكم تسير في السهو وتختال من الزهو وتنفض إلى اللهو كأن الموت ما عم كأني بك تنحط إلى اللحد وتنغط وقد أسلمك الرهط إلى أضيق من سم هناك الجسم ممدود ليستأكله الدود إلى أن ينخر العود ويمسي العظم قد رم فزود نفسك الخير ودع ما يعقب الضير وهيئ مركب السير وخف من لجة اليم بذا أوصيك يا صاح وقد بحت كمن باح فطوبى لفتى راح بآداب محمد يأتم وصدق ربي إذ يقول: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ}[القيامة:٢٦ - ٣٠] يفتح سجلك، ويفتح ملفك، ويفتح كتابك، فإذا به:{فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى}[القيامة:٣١ - ٣٢].