أقول: إننا لا نتورع البتة أن نثبت الحق إن رأينا شيئاً من الحق، فعند الرافضة كتابان هما: كتاب التبيان للطوسي، وكتاب مجمع البيان للطبرسي، هذان الكتابان من كتب التفسير عند الشيعة، وقد سلما عن هذا الإلحاد المبين في تفسير آيات رب العالمين، وإن كان هذان الكتابان قد دافعا عن أصول العقيدة الشيعية في بعض الآيات، ولكنهما -للأمانة- لا يقاربان بحال ما ورد في تفسير العياشي أو الكافي أو البحار أو الصافي أو غيرها.
وكان من المفترض أن ننوه إلى هذا من باب العدل والإنصاف، لولا أن وقفنا على سر خطير لعالم الشيعة ومحدثها وخبير رجالها وصاحب آخر مجموع من مجامعها الحديثية، وهذا الرجل هو أستاذ كثير من علماء الشيعة الأقطاب كـ محمد حسين آل كاشف الغطاء، وآغا بزرك الطهراني وغيرهما، هذا العالم هو عالم الشيعة الكبير: حسين النوري الطبرسي، كشف لنا سراً خطيراً بقي دفيناً، ولولاه ما أمطنا اللثام عن حقيقة كانت مجهولة لدينا، اسمع ماذا قال عن كتاب التبيان للطوسي الذي ذكرته الآن؟! قال:(ثم لا يخفى على المتأمل في كتاب التبيان أن طريقته فيه على سبيل المداراة والمماشاة مع المخالفين) وهذا أصل من أصول الشيعة الذي يقال له: التقية، هذا كلام عالم من علمائهم في كتاب التبيان.
ويقول في كتاب مجمع البيان:(ثم لا يخفى على المتأمل في (مجمع البيان) أيضاً أن طريقته فيه على سبيل المداراة والمماشاة مع المخالفين، فإنك تراه اقتصر في تفسير الآيات على نقل كلام الحسن وقتادة والضحاك والسدي وابن جريج والجبائي والزجاج وابن زيد وأمثالهم، ولم ينقل عن أحد من مفسري الإمامية، ولم يذكر خبراً عن أحد من الأئمة عليهم السلام إلا قليلاً في بعض المواضع، لعله وافقه في نقله المخالفون، بل عد الأولين في الطبقة الأولى من المفسرين الذين حمدت طرائقهم، ومدحت مذاهبهم، وهو بمكان من الغرابة لو لم يكن على وجه من المماشاة).
فمن المحتمل أن يكون الأمر كما قال، وممن يؤيد كون وضع الكتاب على التقية السيد علي بن طاوس في كتابه ((سعد السعود)) وهذا لفظه: (ونحن نذكر ما حكاه جدي أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في كتاب ((التبيان))، وحملته التقية على الاقتصار عليه من تفصيل المكي من المدني، والخلاف في أوقات إلخ هكذا لم يكمل الطوسي العبارة، وقال الطبرسي معقباً، وهو أعرف بما قال -أي: الطوسي -: لا يخفى هذا على من اطلع على مقامه فتأمل).
أعتقد أن الكلام الذي ذكر في التبيان أو في مجمع البيان هو على سبيل المجاراة، وعلى سبيل التقية، لكن العقيدة واحدة لا تتبدل ولا تتغير.
ومن هذا الكلام يتبين أن التبيان للطوسي قد وضع على أسلوب التقية، كما هو رأي عالم الشيعة الكبير المعاصر كما ذكرت، أو أن يكون تفسير التبيان قد صدر من الطوسي نتيجة اقتناع فكري بإسفاف ما عليه القوم من تفسير، ومعنى هذا أن شيعة اليوم هم أشد غلواً وتطرفاً؛ ولذا تراهم يعتبرون تفسير الطوسي وأمثاله من التفاسير التي ألفت للخصوم، والتزمت بروح التقية؛ لتبشر بالعقيدة الشيعية بين من لا يدينون بعقيدة الروافض.
وقد سار على نهج الطوسي عالمهم أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي، وهو من أكابر علمائهم في القرن السادس الهجري، وقد أشار الطبرسي في مقدمة تفسيره إلى اتباعه لمنهج الطوسي حيث قال:(إلا ما جمعه الشيخ الأجل السعيد أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي قدس الله روحه من كتاب التبيان، فإنه الكتاب الذي يقتبس منه ضياء الحق، ويلوح عليه رواء الصدق، وهو القدوة أستضيء بأنواره، وأتتبع مواقع آثاره) يعني: هو يقتفي وينسج على نهج كتاب التبيان.