ثانياً: قلوب الصالحين قلوب ذاقت طعم الإيمان، قال جل وعلا:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[النحل:٩٧]،والحياة الطيبة أيها الصالحون أيها الصادقون! أيها المؤمنون! هي حياة الإيمان: ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيد هذه هي الحياة الحقيقية، حياة القلوب، حياة الأرواح، ولا يذوق طعم الإيمان ولا يحيا هذه الحياة الكريمة الطيبة إلا من خرج من ضيق الجهل إلى فضاء العلم، ومن سجن الهوى إلى ساحة الهدى، ومن نجاسة النفس إلى طهارة القدس، فالإيمان ليس كلمة ترددها الألسنة دخاناً في الهواء، كلا كلا! ولكن الإيمان الذي ينقل الأمة الآن بإذن الله من حالة الذل والهوان التي تحياها إلى حال العز والكرامة التي يجب أن تكون فيها، هذا الإيمان قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان! هذا الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي والزلات، هذا الإيمان هو حصن الأمان لهذه الأمة! هذا الإيمان هو سفينة نوح التي يجب على الأمة الآن أن تركبها وسط هذه الرياح الهوجاء، والفتن المتلاطمة! هذا الإيمان هو الذي حول الصحابة من رعاة للإبل والغنم إلى سادة وقادة للدول والأمم! هذا الإيمان هو الذي انتزع حنظلة من بين أحضان عروسه لينال شرف الشهادة في سبيل الله! هذا الإيمان هو الذي جعل طلحة يدافع بين يدي رسول الله ويلتفت إليه ويقول: نحري دون نحرك يا رسول الله، هذا الإيمان هو الذي جعل خبيب بن عدي حين اقترب منه أبو سفيان وقد وضع على خشبة الصلب في التنعيم وقال له أبو سفيان: يا خبيب! أيسرك أن يكون محمد في موضعك الذي أنت فيه الآن لنضرب عنقه، وأنت في أهلك معافى؟! قال خبيب: لا والله، ما يسرني أن تصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضعه الذي هو فيه الآن شوكة تؤذيه وأنا في أهلي معافى، فقال أبو سفيان قولته الخالدة: والله ما رأيت أحداً يحب أحداً كما رأيت أصحاب محمد يحبون محمداً! هذا الإيمان أيها الأفاضل هو صمام الأمان لهذه الأمة، وهو حصن الأمان، وهو المحرك الحقيقي لها، ولذا إن رأيت أن النصر قد تأخر فاعلم أن القاعدة المؤمنة ما توفرت بعد بنص القرآن، قال جل جلاله:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[النور:٥٥] وقال جل وعلا: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون:٨] وقال جل وعلا: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم:٤٧].
فلا بد أن نحقق الإيمان الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وله أركانه، له طعمه، له حلاوته، له نوره؛ ففي صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن جبريل سأل نبينا الجليل:(ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره).
والإيمان له طعم، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال:(ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً)، والإيمان له حلاوة كما في الصحيحين من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال:(ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار).
وهذا الإيمان له نور، ففي الحديث الذي رواه أبو نعيم والديلمي بسند حسن من حديث علي أن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم قال:(ما من القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر، فبينا القمر مضيء إذ علته سحابة فأظلم، فإذا جلت عنه أضاء)، فكما أن السحابة تحجب نور القمر عن الأرض، كذلك تحجب سحب المعاصي نور الإيمان في القلب، فإذا انقشعت سحابة السماء عاد نور القمر إلى أهل الأرض، وإذا انقشعت سحابة المعاصي عن القلوب بالتوبة إلى علام الغيوب، عاد الإيمان في القلب إلى إشراقه ونوره مرة أخرى.
وقد ذكرت عن حذيفة في تقسيمه للقلوب قوله:(قلب أجرد فيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن) فقلوب الصالحين قلوب ذاقت طعم الإيمان، أسأل الله جل وعلا أن يذيقنا وإياكم حلاوة الإيمان، وأن يملأ قلوبنا وإياكم بنور الإيمان، إنه ولي ذلك والقادر عليه.