ثالثاً: من أدب الخلاف: إحسان الظن بالمخالف، وعدم التماس العيب للبرآء، أدب عالٍ، أحسن الظن بمخالفك، أنت قد تكون على حق أو باطل، ومخالفك قد يكون على حق أو باطل، فلم يا أخي تزكي نفسك وتتهم غيرك؟ يا إخوة! لا ينبغي أن يزكي واحد منا نفسه على الإطلاق، قال تعالى:{فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى}[النجم:٣٢]، {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[آل عمران:١٨٨]، اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل.
أحسن الظن بمخالفك، أنا أخالفك: فأحسن الظن بي، وأنا يجب أن أحسن الظن بك، ما دمت معي على الطريق، أنا أدين الله سلفاً بأنك من أهل السنة والجماعة، فإن خالفتك في مسألة هي محل اجتهاد فيجب علي أن أحسن الظن بك، ويجب عليك أن تحسن الظن بي.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث)، والحديث في الصحيحين، وقال الله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}[الحجرات:١٢]، يا أخي! لا تظن بأخيك إلا خيراً، أخوك معك على طريق الدعوة، فيجب عليك أن تظن بالمسلمين خيراً، فما ظنك بأخيك الذي يتحرك معك للدعوة على الطريق؟ {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً}[النور:١٢] هذا هو الأصل.
فالأصل أن يظن المسلم بأخيه خيراً، وأن تظن المؤمنة بأختها خيراً، فما ظنك بأخ داعية يمشي معك على الطريق؟ فيجب عليك أن تظن به خيراً، (إياك والظن، فإن الظن أكذب الحديث) ولا تنقب عن عيوب للبرآء، قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن الكريم: ظن السوء بمن ظاهره الصلاح يحرم في دين الله.
أي: إذا وجدت أخاك على ظاهر طيب، وعلى خير؛ فلا يجوز لك أن تنقب وأن تفتش وأن تبحث وأن تنظر من النافذة! وأن تنظر من تحت الأرض! ما عليك هذا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}[الحجرات:١٢] لماذا تلتمس العيب لأخيك؟ لماذا لا تجتهد أن تشكر أخاك بدلاً من أن تنقب عن عيوبه؟! ما دام أن أخاك في الظاهر على الخير؟! لا تتهم إلا من كان في الباطل وعلى الباطل وفي البدعة وعلى البدعة، فهذا قد أوقع نفسه في موضع الشبهات، فهو حري أن يتهم، لكنك ترى أخاً من إخوانك يحرص على السنة، لكن زل لبشريته وضعفه، فاستر عليه، وهذا باتفاق أهل السنة، استر على من ظاهره الصلاح، استر على من يستحي أن يظهر معصية أمام الناس؛ لأنك لو أظهرت معصيته انفض الناس عنه إن كان من أهل الدعوة أو من أهل القرآن أو من أهل الخير، فما دام الرجل حريصاً على ألا يفضح نفسه فلا تفضحه، وادعه بالحسنى والحكمة إلى أن يتوب إلى الله، وأن يدع المعصية التي وقع فيها ورأيته عليها، فإن كل بني آدم خطاء كما ذكر النبي عليه الصلاة والسلام.
تدبروا هذا الحديث الطيب الذي خرج من صاحب القلب الطيب، وصاحب الكلم الطيب، والحديث صححه الألباني، وقد رواه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم، قال صلى الله عليه وسلم:(يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه! لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في جوف بيته) تدبر! والله لو خرجت الليلة من المحاضرة بهذا الحديث لخرجت بخير عظيم وفير، أسأل الله أن يسترنا وإياكم في الدنيا والآخرة.