الموضوع الثاني: أحداث الجزائر بين حرمة الدماء وعلامات الاستفهام!! تكلمت في خطبة جمعة عن أزمة العقل المسلم، ومما زادني حسرةً وألماً أنني وجدت بعد الجمعة من اعتقد أنني كنت أتكلم عن حادث وفاة سندريلا القرن العشرين، وأنا ما تحدثت عن الحادث أبداً، وإنما وقفت عند الحادث لأستخرج منه الدروس والعظات والعبر، لاسيما وأن الحادث قد أحدث شرخاً رهيباً في صرح عقيدة الولاء والبراء، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن العقل المسلم يعيش حالة أزمة، ويتعامل كثير من المسلمين -الآن ومن قبل- مع الأحداث تعاملاً خطيراً، فتسمع من بعض المسلمين من يتهم المسلمين في الجزائر بهذه المجازر والمذابح المروعة! وهذا الذي يتهم المسلمين في الجزائر بذلك لا يفهم قرآناً ولا يفهم سنة، ولا يقف على سنن الله الربانية في كونه! تدبر معي أيها الحبيب الكريم! أحداث الجزائر التي تخلع القلب الآن! ويجب على المسلم أن يعيش أحوال أمته، وأن يعيش جراح إخوانه، قال عليه الصلاة والسلام:(مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، فلا يجوز لمسلم أن يأكل ملء بطنه، وأن ينام ملء عينه، وأن يضحك ملء فمه، وأن ينظر إلى أحوال إخوانه وأخواته هنا وهنالك فيهز كتفيه ويمضي وكأن الأمر لا يعنيه لا من بعيد ولا من قريب! فإن هذا لا يستحق هذه النسبة الإسلامية الشريفة، بل إن الله جعل المؤمنين إخوة، فقال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الحجرات:١٠].
والدماء لها حرمة عظيمة عند رب الأرض والسماء، ولقد كرم الله الإنسان، كما قال تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}[الإسراء:٧٠]، فلقد خلق الله الإنسان بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وسخر له ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه، وأنزل الكتب، وأرسل الرسل، كل هذا من أجل الإنسان، وأنزل عليه شريعةً ضمنت له كل الحقوق، وضمنت له الحياة السعيدة الأبية الكريمة، ومن أعظم وأكبر هذه الحقوق التي ضمنتها الشريعة للإنسان هي: حق الحياة، ولا يجوز أبداً لأحد أن يسلب هذه الحياة ممن وهبها له الله سبحانه وتعالى، إلا في الحدود الشرعية التي أمر الله سبحانه وتعالى بها، فلا يجوز أبداً أن تنتهك حرمة الحياة، وأن تسفك دماء المؤمنين والمسلمين إلا بالحق الشرعي الذي قرره الرب العلي، والحبيب النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ}[الأنعام:١٥١].