للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى الأخوة في الله وحقها]

إن معنى الأخوة في الله لا نظير له في جميع الشرائع الوضعية على وجه الأرض؛ لأنه لا ينبني على أواصر العرق واللون والدم والوطن، وإنما ينبني على الأواصر الإيمانية، والروابط العقدية التي لا تنفصم عراها ولا تزول، فالمؤمنون جميعاً إخوة مهما اختلفت ألوان بشرتهم، ومهما اختلفت أرضهم وديارهم وأوطانهم، يربطهم جميعاً رباط الإيمان والإسلام، كأنهم روحٌ واحد حل في أجسامٍ متفرقة، أو كأنهم أغصانٌ متشابكة انبثقوا من دوحة واحدة، هكذا ينبغي أن يكون المؤمنون.

فإن وجدت إيماناً بلا أخوة صادقة فاعلم بأنه إيمانٌ ناقص، وإن وجدت أخوة بلا إيمان فاعلم أنه التقاء مصالح، وتبادل منافع، وليست أخوة إيمانية، إذ أن الأخوة ثمرة حتمية للإيمان، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:١٠].

يوم أن ضاع هذا المعنى العظيم، وأصبح المؤمن ينظر إلى أخيه الذي جاءه من بلدٍ مسلمٍ آخر نظرة الغرابة والغربة، لما ضاع المعنى الحقيقي للأخوة أصبح المسلم يرى أخاه المسلم ويرى أخته المسلمة تذبح هنا وهنالك فينظر ويهز كتفيه ويمضي وكأن الأمر لا يعنيه، وربَّما يرى على شاشات التلفاز المسلم يُذبح في الصومال، أو فلسطين، أو العراق، أو كشمير، أو طاجكستان، أو الفلبين، أو أي مكان، وهو ينظر بعينه وسرعان ما يهز كتفيه ويمضي وكأن الأمر لا يعنيه لا من بعيدٍ ولا من قريب.

لماذا؟ لأن الأخوة في الله أصبحت باهته باردة لا تتعدى مجرد الكلمات، لا تتعدى مجرد لغة الشجب والاستنكار فحسب، حتى الشعور فقد مات، إلا من رحم ربك جل وعلا، صحيحٌ ربما تنسي المصائب المصائب، لكن لا ينبغي أن تفقد حتى مشاعر الأخوة تجاه إخوانك وأخواتك هنا وهنالك، لا بد أن يحمل كل واحد منا همَّ هذا الدين، وهمَّ هذه العقيد، وهمَّ هذه الأمة، إن الهموم بقدر الهمم.

فمن الناس من يحمل هم الطين، ومنهم من يحمل هم الدين، ومن الناس من يحمل هموم أسرته، ومنهم من يحمل هموم أمته، ومنهم من لا هم له سوى أن يجمع المال ولو كان من الحرام، ومنهم من لا هم له سوى أن يستمتع بامرأة حسناء في الحلال أو في الحرام، ولو نظرنا إلى أحوال همومنا وهِممنا وعرضناها على هموم وهمم السلف، لبكينا دماً بدل الدمع! فها هو عبد الله بن عمر رضوان الله عليه يجتمع في بيت الله الحرام هو وعروة بن الزبير ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان فيقول لهم مصعب بن الزبير: [تمنوا فنحن في بيت الله، تمنوا على الله جل وعلا، فقالوا: ابدأ أنت يا مصعب ما دمت قد طلبت ذلك، فقال مصعب بن الزبير: أما أنا فأتمنى ولاية العراق، وأن أتزوج سكينة بنت الحسين، وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله، فنال ما تمنى وتلك همته وهذا همه.

فقال عبد الملك بن مروان: أما أنا فأتمنى الخلافة، فنال ما تمنى.

فقال عروة بن الزبير: أما أنا فأتمنى أن أكون فقيهاً، وأن يحمل الناس عني حديث رسول الله، وقال عبد الله بن عمر: أما أنا فأتمنى الجنة] إن الهموم بقدر الهمم.

على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ وتأتي على قدر الكرام المكارمُ

وتعظمُ في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائمُ

ولله در المتنبي إذ يقول:

وإذا النفوس كانت كباراً تعبت في مرادها الأجسامُ

فلما ضاع المعنى الحقيقي للأخوة أصبحنا نرى المسلمين والمسلمات يُذبحون في الشرق والغرب ذبح الخراف ولا تتحرك حتى مشاعرنا، تبلدت المشاعر وبردت إلا من رحم ربك، أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن رحم.

من أجل ذلك أقول: ينبغي أن نتعرف -أيها الأحبة- على حقوق الأخوة، وهذا هو عنصرنا الثاني بإيجازٍ شديد من عناصر المحاضرة، وإلا فإن كل عنصرٍ من هذه العناصر يحتاج إلى محاضرة مستقلة.