ظهرت ثمرة هذه الدعوة الكريمة المباركة في عشرة آلاف صحابي، رباهم رسول الله بيده، خرجوا معه، وزحف هذا الجيش الكبير الجرار الذي لا عهد لأرض الجزيرة به من قبل، خرجوا جميعاً يحيطون برسول الله صلى الله عليه وسلم، تعلوا رءوسهم راية التوحيد والإيمان، قائدهم محمد صلى الله عليه وسلم، ودينهم الإسلام، زحف هذا الجيش إلى بلد الله الحرام، إلى مكة المكرمة؛ ليطهروها من دنس الشرك والكفر، ليحطموا الأصنام التي رفعت رءوسها على بيت الله الحرام، وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي خرج بالأمس القريب طريداً جريحاً مضروباً؛ يدخل إلى مكة فاتحاً في وسط هذه الجموع الموحدة، وها هو يحني رأسه تواضعاً وانكساراً لله جل وعلا! إنه فضل الله، إنه نصر الله، {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:١ - ٣].
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وحطم الأصنام التي حول الكعبة وهو يقول: (جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً).
ويحين وقت الصلاة، فيأمر الحبيب صلى الله عليه وسلم بلالاً رضي الله عنه أن يرتقي على ظهر الكعبة! ذلكم العبد الحبشي الأسود يرتقي على ظهر الكعبة؛ ليرفع كلمة التوحيد خفاقة عالية في أنحاء مكة كلها، يصعد بلال ليرفع أذان التوحيد والإيمان، ليرفع صوته بقوله: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ويعلن وحدانية الله جل وعلا بعدما نكست الأصنام على رءوسها: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، ويثني برسالة محمد بن عبد الله حيث قال: أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، وتنصت مكة بأسرها لهذا النداء الحلو العذب الجميل الذي تسمعه لأول مرة! وتفرح الحجارة! وتبكي الكعبة فرحاً بكلمة التوحيد! التي ارتفعت لأول مرة بعد هذه السنوات الطوال.