الدليل الأول: التمسك بقوله تعالى لإبليس: (ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك)[الأعراف:١٢] وليس المراد منه الاستفهام بالاتفاق، بل الذم، فإنه لا عذر له في الإخلال بالسجود بعد ورود الزمر به، هذا هو المفهوم من قول السيد لعبده:(ما منعك من دخول الدار، إذ أمرتك) إذا لم يكن مستفهما، ولو لم يكن الأمر دالا على الوجوب، لما ذمه الله تعالى على الترك، ولكان لإبليس أن يقول: إنك ما ألزمتني السجود.
فإن قلت: لعل الأمر في تلك اللغة كان يفيد الوجوب، فلم قلتم: إنه في هذه اللغة للوجوب؟!
قلنا: الظاهر يقتضي ترتيب الذم على مخالفة الأمر فتخصيصه بأمر خاص خلاف الظاهر.
الدليل الثاني: التمسك بقوله تعالى (وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون)[المرسلات:٤٨] ذمهم على أنهم تركوا فعل ما قيل لهم: افعلوه ولو كان الأمر يفيد الندب، لما حسن هذا الكلام، كما إذا قيل لهم:] الأولى أن تفعلوه، ويجوز لكم تركه) فإنه ليس لنا أن نذمهم على تركه.
فإن قلت: إنما ذمهم لا لأنهم تركوا المأمور به، بل لأنهم لم يعتقدوا حقيقة الأمر، والدليل عليه: قوله تعالى: (ويل يومئذ للمكذبين)[المرسلات:٤٧]
وأيضا: فصيغة (افعل) قد تفيد الوجوب عند اقتران بعض القرائن بها، فلعله تعالى إنما ذمهم لأنه كان قد وجدت قرينة دالة على الوجوب.