الندب، دون تقدير الوجوب، وإذا اشترك الطرفان في أحد نوعي الخطأ، واختص أحدهما بمزيد خطأ، كان الجانب الخالي عن هذا الخطأ الزائد، أولى بالاعتبار، والله زعلم.
واحتج من أنكر كون الأمر للوجوب، بأمر:
أحدها: أن العلم بكون الأمر للوجوب: إما أن يكون عقليا، أو نقليا: فالأول: باطل، لأن العقل لا مجال له في اللغات.
وأمّا النقل: فإما أن يكون تواترا، أو آحادا:
والتواتر باطل، وإلا لعرف كل واحد بالضرورة أنه للوجوب.
والاحاد باطل، لأن المسألة علمية، ورواية الاحاد لا تفيد العلم.
وهذه الحجة يحتج بها من يقول: لا أدري أن اللفظ موضوع للوجوب فقط، أو للندب فقط، أولهما معا، لأنه لو ادعى الاشتراك، أو الندبية، لزمه أن يقال:
العلم بالاشتراك أو الندبية، إنما يستفاد من العقل أو النقل، إلى اخر التقسيم.
وثانيها: أن أهل اللغة قالوا: لافرق بين الأمر والسؤال إلا من حيث الرتبة، وذلك يقتضي اشتراكهما في جميع الصفات سوى الرتبة، فكما أن السؤال لا يدل على الإيجاب، بل يفيد الندبية، فكذلك الأمر.
وثالثها: أن لفظ (افعل) وارد في كتاب الله وسنة رسوله في الوجوب والندب، والاشتراك والمجاز على خلاف الأصل، فلا بد من جعله حقيقة في القدر المشترك، وهو أصل الترجيح، والدال على ما به الاشتراك غير الدال على مابه الامتياز، لا بالوضع، ولا بالاستلزام، فلا يكون لهذه الصيغة إشعار ألبتة.