ورابعها: قوله: "تلازمهما في الوجود لا يوجب تعلق ذلك الطلب به كما في العلم".
يعني: أن العلم قد يتعلق بشيء، وله لازم في الوجود، ولا يتعلق به العلم، كما يتعلق بوجود كثير من الحقائق في الوجود لازمها في الوجود أحكام وخواص وآثار، ونحن لا نعلمها.
ويرد عليه: أن العلم بالملزوم لا يوجب العلم باللازم الخارجي؛ لأنه لايوجب لتلازم العلمين، أما إذا حصل الشعور بالمطلوب، وما يتوقف عليه، وما هو ضده، فالتلازم بين الطلبين يحصل لأجل أمر ثالث وهو الشعور بالأمرين، بخلاف العلمين لا موجب لتلازمهما، وكذلك يتلازم الطلب وكراهة الضد عند الشعور بالضد لأجل الشعور.
وإستشهاده بالعلم غير متجه لعدم الموجب فيه.
قوله:"لو كان الأمر كذلك لكان تارك المأمور يعد ممتثلاً بوجوده على عدد تلك الأضداد، وهو محال".
قلنا: وما المانع في قول القائل: إجلس في البيت، فترك المأمور به، وجلس في السوق أن يكون عاصياً بترك المأمور به الذي هو الجلوس في البيت، ومطيعاً بترك الجلوس في الحمام وقارعة الطريق، ومعاطن الإبل، وجميع البقاع التي تضاد الجلوس في البيت الجلوس فيها، وقد نهاه عن الجلوس فيها، وقد اجتنب تلك المنهيات بجلوسه في السوق، ولا غرو أن يكون مطيعاً وعاصياً في هذه الحالة من وجهين.
سلمنا أنه لايكون مطيعاً بترك الأضداد، لكن قد ينهى عن الشيء، ولا يكون مطيعاً بتركه إذا لم تحصل تلك المصلحة التي لأجلها ورد النهي؛ فإنه في جلوسه في السوق لم تحصل مصلحة الجلوس في البيت، وهو مجاهد في المخالفة، عازم على ترك ما كلف به مقتحم للمعصية، فلذلك عصّيناه مطلقاً، بخلاف من مشى للجمعة ففاتته، أو الحج، فإنه سعى في الطاعة