فإن كان سببا لوجوبه، لزم أن يكون العلم قدرة وإرادة؛ لأنه لا معنى للقدرة والإرادة إلا الأمر الذي باعتباره يترجح الوجود على العدم، فإذا كان العلم كذلك، صار العلم عين القدرة والإرادة، وذلك محال؛ لأنه يقتضي قلب الحقائق؛ وهو غير معقول.
وإن لم يكن العلم سببا لوجوب المعلوم، فقد سقط ما ذكرتموه من الدلالة؛ لانه مبني على أن المعلوم صار واجب الوقوع عند تعلق العلم به، فإذا بطل ذلك بطل دليلكم.
سلمنا أن ما ذكرتموه يدل على أن الإيمان محال من الكافر، لكن امتناعه ليس لذاته، بل بالنظر الى علم الله تعالى؛ فلم قلتم: إن ما لا يكون محالا لذاته فإنه لا يجوز ورود الأمر به؟
سلمنا أن ما ذكرتموه يدل على أن الامر بالمحال واقع، لكنه يدل على انه لا تكليف الا وهو تكليف بما لا يطاق؛ وذلك لأن الشيء:
ان كان معلوم العدم، كان الأمر بالإتيان به أمرا بإيقاع الممتنع.
وان كان معلوم الوجود، كان واجب الوجود، وما كان واجب الوجود لا يكون لقدرة القادر الأجنبي واختياره فيه أثر؛ فيكون التكليف به أيضا تكليفا بما لا يطاق.
فثبت أن ما ذكرتموه يدل على أن التكاليف بأسرها تكليف ما لا يطاق، وان أحدا من العقلاء لم يقل بذلك؛ فإن بعض الناس أحاله عقلا، وبعضهم جوزه، ولم يقل أحد بانه يمتنع ورود التكليف الا بما لا يطاق؛ فما هو نتيجة هذا الدليل - لا تقولون به، وما تقولون به - لا ينتجه هذا الدليل؛ فيكون ساقطاً.