فثبت بهذين الوجهين أن الاستفهام قد يحسن لا مع الاشتراك.
ثم نقول: الاستفهام: إما أن يقع ممن يجوز عليه السهو، أو ممن لا يجوز عليه ذلك: والأول قد يحسن؛ لوجوه أربعة أخرى غير الذي ذكروه: أحدهما: أن السامع ربما ظن أن المتكلم غير متحفظ في كلامه، أو هو كالساهي؛ فيستفهمه ويستبينه؛ حتى إن كان ساهيا، زال سهوه، وأخبره عنتيقظ؛ ولذلك يحسن أن يجاب عن الاستفهام بعين ما وقع عنه الاستفهام.
وثانيها: أن يظن السامع؛ لأجل أمارة ان المتكلم قد أخبر بكلامه العام عن جماعة؛ على سبيل المجازفة، ويكون السامع شديد العناية بذلك؛ فتدعوه شدة عنايته إلى الاستفهام عن ذلك الشيء؛ لكي يعلم المتكلم اهتمام السامع به؛ فلا يجازف في الكلام.
ولهذا قد يقول القائل:" رأيت كل من في الدار " فإذا قيل له: " أرأيت زيدا فيهم؟ " فقال: " نعم " زالت التهمة؛ لأن اللفظ الخاص أقل إجمالا، وربما لم يتحقق رؤيته؛ فيدعوه ما رآه من اهتمام المستفهم إلى أن يقول:" لا أتحقق رؤيته ".
وثالثها: أن يستفهم؛ طلبا لقوة الظن.
ورابعها: أن توجد هناك قرينة تقتضي تخصيص ذلك العموم؛ مثل أن يقول:" ضربت كل من في الدار " وكان فيها الوزير، فغلب على ألظن أنه ما ضربه، فإذا حصل التعارض، استفهمه؛ ليقع الجواب عنه بلفظ خاص لا يحتمل التخصيص.
وأما إن وقع ممن لا يجوز عليه السهو، فذاك؛ لأن دلالة الخاص أقوى من دلالة العام، فيطلب الخاص بعد العام؛ تحصيلا لتلك القوة.