للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلت: خطاب الزنج لا يفهم منه العربي شيئًا: فلم يجز أن يخاطبوا به، وليس كذلك خطاب العربي بالمجمل؛ لأن العربي يفهم منه شيئًا ما؛ لأن قول الله تعالى: {وأقيموا الصلاة} [البقرة: ٤٣] قد فهم منه الأمر بشيء، وإن لم يعرف ما هو.

قلت: فإن جاز أن يكون اسم الصلاة واقعًا على الدعاء، ويريد الله به غيره، ولا يبين لنا، جاز أن يكون ظاهر قوله تعالى: {وأقيموا} [البقرة: ٤٣] للأمر، ولا يستعمله في الأمر ولا يبين لنا ذلك، وفي ذلك مساواته لخطاب الزنج؛ لأنا لا نفهم منه شيئًا أصلاً.

وأما القسم الثاني: وهو أنه أراد إفهامنا في الحال، فلا يخلو: إما أن يريد أن يفهم أن مراده ظاهره، أو غير ظاهره:

فإن أراد الأول: فقد أراد منا الجهل.

وإن أراد الثاني: فقد أراد منا ما لا سبيل إليه.

ثم قال أبو الحسين: وهذه الدلالة تتناول العام المستعمل في الخصوص، والمطلق المفيد للتكرار المنسوخ، والأسماء المنقولة إلى الشريعة، والنكرة إذا أريد بها شيء معين؛ لأن الكل مستعمل في خلاف ظاهره.

الثاني: لو جاز أن يريد بالعموم الخصوص، ولا يبين لنا ذلك في الحال، ولا يشعرنا بأنه بخلافه، لم يكن لنا طريق إلى معرفة وقت الفعل الذي يقف وجوب البيان عليه؛ لأنه لو قيل لنا: صلوا غدًا، جوزنا أن يكون المراد بقوله: غدًا، بعد غد، وما بعده أبدًا؛ لأن كل ذلك يسمى غدًا مجازًا، ولا يبينه لنا، فلا يقف وجوب البيان على غاية، وفيه تعذر علمنا بالمراد بالخطاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>