ورابعها: أن غير أبي الحسين من المعتزلة اتفقوا على جواز تأخير بيان النسخ إجمالاً وتفصيلاً، وحينئذ ينتقض دليلهم به؛ لأن اللفظ إذا أفاد الدوام مع أن الدوام غير مراد فإن أراد ظاهره فقد أراد الجهل، وإن أراد غير ظاهره فقد أراد ما لا سبيل إليه.
وما يذكرونه من الفرق فقد ذكرناه، وأجبنا عنه.
وأما من حيث الجواب فمن وجهين:
الأول: أن نقول: ما المراد من قولك: المخاطب إما أن يكون غرضه إفهامنا، أو لا يكون غرضه ذلك؟.
إن عنيت بالإفهام إفادة القطع واليقين، فليس غرضه ذلك، بل غرضه منه الإفهام بمعنى إفادة الاعتقاد الراجح، والظن الغالب، مع تجويز نقيضه، فلم قلت: إنه على هذا التقدير يكون عابثًا، ويكون مغريًا بالجهل؟
وبهذا الجواب: يظهر الفرق بين ما إذا كان الغرض ذلك، وبين خطاب العربي بالزنجية؛ لأن هناك لا يمكن أن يكون الغرض إفادة الاعتقاد الراجح، فإنه لا يفهم منه شيئًا.
وإن عنيت به أن غرضه إفادة الاعتقاد الراجح، كيف كان، أعني القدر المشترك بين الاعتقاد الراجح المانع من النقيض، وبين الاعتقاد الراجح المجوز للنقيض، فهذا مسلم، ولكن هذا القدر لا يمنع من ورود المخصص؛ لأنه لو امتنع، لكان ذلك الاعتقاد مانعًا من النقيض مع أنا فرضناه غير مانع منه.
ثم الذي يدل على أن الغرض من الخطاب إفادة أصل الاعتقاد الراجح،