وإنما كان لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أجمعوا هاهنا على أن مجرد الفعل للوجوب.
ولأنهم (واصلوا الصيام لما واصل) و (خلعوا نعالهم في الصلاة لما خلع) و (أمرهم عام الحديبية بالتحلل بالحلق، فتوقفوا، فشكا إلى أم سلمة، فقالت: اخرج إليهم، واحلق واذبح، ففعل، فذبحوا، وحلقوا متسارعين) و (لأنهم خلع خاتمه فخلعوا) و (لأن عمر رضي الله عنه كان يقبل الحجر الأسود، ويقول: إني لأعلم أك حجر، لا تضر، ولا تنفع، ولوا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك لما قبلتك) و (أنه عليه الصلاة والسلام قال في جواب من سأل أم سلمة عن قبلة الصائم: ألا أخبرته أنني أقبل وأنا صائم؟).
وأما المعقول فمن وجهين:
الأول: أن الاحتياط يقتضي حمل الشيء على أعظم مراتبه، وأعظم مراتب فعل الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون واجبًا عليه وعلى أمته، فوجب حمله عليه.
بيان الأول: أن الاحتياط يتضمن دفع ضرر الخوف عن النفس بالكلية، ودفع الضرر عن النفس واجب.
بيان الثاني: أن أعظم مراتب الفعل، أن يكون واجبًا على الكل.
الثاني: أنه لا نزاع في وجوب تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم في الجملة، وإيجاب الإتيان بمثل فعله تعظيم له بدليل العرف، والتعظيمان يشتركان في قدر من المناسبة؛ فيجمع بينهما بالقدر المشترك، فيكون ورود الشرع بإيجاب ذلك التعظيم يقتضي وروده بأن يجب على الأمة الإتيان بمثل فعله.
والجواب عن الأول: لا نسلم أن لفظ الأمر حقيقة في الفعل؛ على ما تقدم.