للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن الثاني: أن الهاء كناية عن واحد، فلا يجوز عوده إلى الله تعالى، وإلى الرسول معًا.

سلمنا عود الضمير إلى الرسول، فلم قلت: إن عدم الإتيان بمثل فعله مخالفة لفعله؟

فإن قلت: يدل عليه أمران:

الأول: أن المخالفة ضد الموافقة، لكن موافقة فعل الغير هو أن تفعل مثل فعله، فمخالفته هو: ألا تفعل مثل فعله.

الثاني: وهو: أن المعقول من المختلفين هما اللذان لا يقوم أحدهما مقام الآخر، والعدم والوجود لا يقوم أحدهما مقام الآخر بوجه أصلًا، فكانا في غاية المخالفة، فثبت أن عدم الإتيان بمثل فعله، مخالف للإتيان بمثل فعله من كل الوجوه.

قلت: هب أنها في أصل الوضع كذلك، لكنها في عرف الشرع ليست كذلك، ولهذا لا يسمى إخلال الحائض بالصلاة مخالفة للمسلمين، بل هي عبارة عن عدم الإتيان بمثل فعله، إذا كان الإتيان به واجبًا، وعلى هذا لا يسمى ترك مثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم مخالفة إلا إذا دل فعله على الوجوب، فإذا أثبتنا ذلك بهذا الدليل، لزم الدور، وهو محال.

والجواب عن الثاني: لم قلت: إن الإتيان بمثل فعل الغير مطلقًا يكون تأسيًا به؟ بل عندنا: كما يشترط في التأسي المساواة في الصورة، يشترط فيه المساواة في الكيفية حتى إنه لو صام واجبًا، فتطوعنا بالصوم، لم نكن متأسين به، وعلى هذا يكون مطلق فعل الرسول عليه الصلاة والسلام سببًا للوجوب في حقنا؛

<<  <  ج: ص:  >  >>