وأيضًا فالآية تفيد إطلاق كون النبي صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة لنا، ولا يطلق وصف الإنسان بأنه أسوة حسنة لزيد، إذا لم يجز لزيد أن يتبعه إلا في فعل واحد، وإنما يطلق ذلك، إذا كان ذلك الإنسان قدوة لزيد يقتدي به في الأمور كلها، إلا ما خصه الدليل.
قلت: الجواب عن الأول أن أحدًا لا ينازع في التأسي به صلى الله عليه وسلم في الجملة؛ لأنه لما قال:(صلوا كما رأيتموني أصلي) و (خذوا عني مناسككم) فقد أجمعوا على وقوع التأسي به هاهنا، والآية ما دلت إلا على المرة الواحدة فكان التأسي به صلى الله عليه وسلم في هذه الصورة كافيًا في العمل بالآية، لاسيما، والآية إنما وردت على صيغة الإخبار عما مضى، وذلك يكفي فيه وقوع التأسي به فيما مضى.
والجواب عن الثاني: أنك إن أردت به أنه لا يصح إطلاق اسم الأسوة عليه، إلا إذا كان أسوة في كل شيء فهذا ممنوع؛ ثم الذي يدل على فساده وجهان:
الأول: أن من تعلم من إنسان نوعًا واحدًا من العلم يقال له: إن ذلك فلان أسوة حسنة.
الثاني: وهو أن يقال: (لك في فلان أسوة حسنة في كل شيء) ويقال: (لك من فلا أسوة حسنة في هذا الشيء (دون ذاك، ولو اقتضى اللفظ العموم لكان الأول تكريرًا، والثاني نقضًا.
وإذا أردت أن يصح إطلاق اسم الأسوة، إذا كان أسوة في بعض الأشياء، فهذا مسلم، ولكنه صلى الله عليه وسلم عندنا أسوة لنا في أقواله، وفي كثير من أفعاله التي أمرنا بالاقتداء به فيها؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) و (خذوا عني مناسككم).