ونحن نأتي بالجواب عن هذه الشبهة؛ تفريعا على كل واحد من هذين المذهبين:
أما على قول ابي الحسين: من أنه لابد من البيان، فنقول: لم لا يجوز ان يقال: إنه تعالى بين في تلك الشريعة: أنها ستصير منسوخة، لكن لم ينقله أهل التواتر، فلا جرم لم يشتهر ذلك، كما اشتهر اصل الشرع؟
فإن قلت: لما بين الله تعالى أصل ذلك الشرع، وأوصله إلى اهل التواتر، فهل أوصل ذلك المخصص إلى أهل التواتر، أم لا؟.
فإن قلت: أوصله إلى أهل التواتر: فإما أن يجوز على أهل التواتر: أن يخلوا بنقله، او لا يجوز.
فإن جاز على الشارع الا يوصل ذلك المخصص إلى أ÷ل التواتر، أو انه اوصله اليهم، لكنهم أخلوا بنقله، جاز مثله في كل شرع، فكيف تقطعون مع هذا التجويز بدوام شرعكم؟ فلعلها، وإن كانت بحيث ستصير منسوخة، إلا أن الله تعالى ما بين ذلك، أو انه بينه لكن أهل التواتر أخلوا بنقله أيضا، فلعل محمدا، عليه الصلاة والسلام، نسخ الصلوات الخمس، وصوم رمضان، ولم ينقل ذلك؛ ولما بطل هذان الاحتمالان، ثبت أنه تعالى بين ذلك المخصص لأهل التواتر، وأن أهل التواتر ما أخلوا بنقله، وحينئذ يعود السؤال.
قلت: الإشكال إنما يلزم لو ثبت أنه حصل من اليهود في كل عصر ما بلغ مبلغ التواتر، وذلك ممنوع، فإنهم انقطعوا في زمان " بخت نصر " فلا جرم انقطعت الحجة بقولهم؛ بخلاف شرعنا، فإنهم كانوا في جميع الأعصار بالغين مبلغ التواتر.